عتاب على أبواب الهجرة !
إب نيوز ١ سبتمبر
و حين أرى أيقونات البعض تخالف جوهر المنطق الذي ينطقونه يستفزّني العتاب ؛ فأنا أرى مناظر طبيعيّة قد تكون شمسا ..قمرا..وردة..قطّة..طفلة تحمل باقة زهرات..مطرا..ثلجا..انطلاقا، و طيرانا و حلما جميلا بالسّماء و سعة الأفق، فحين تأتي لمحاولة فتح ثغرة في ألبابهم النّاضجة لتوضيح غامض أو غير معلوم تراهم يصدّونك قائلين :
اصمت فالحقّ سيظهره اللّه ، فكيف سيظهر اللّه الحقّ و أنت نائم ، خامل الفكر لاتريد أن تبتعث عقلك إلى الواقع ، لاتريد أن تهاجر بنظرك و سمعك و فؤادك إلى نطاق غير نطاق الحياد و التحجّر و التصنّم ، و أنت تبتعث نفسك روحا و جسدا إلى دولة لتتلقى ( مثلا ) دورة في فن هندسة الدّيكور أو حتّى فن تجميل الوجوه ؟
فهل بات البحث عن تجميل الوجه و الجسد أرقى و أسهل رغم مشقة و خطورة الإقدام على تلك السّفريّات ، فهل بات ذلك السّفر أسهل من السّفر إلى آيات من كتاب اللّه لن تجهدك و لن تتعبك ، و أنت المؤمن بــ :
و مانيل المطالب بالتّمني
و لكن تؤخذ الدّنيا غلابا
_ فلعالم المادة تطلق العنان لفهمها و معرفتها دون حدود ، و ينغصك أن تفتح نافذة واحدة لترى منها نور و بهجة و حقيقة القرآن كمسيرة حياة تجيب عن كلّ تساؤلاتك ، فهل وصلت رسالة محمّد بن عبدالله ( صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ) للعالم و هو قاعد و جالس على كرسي من ذهب ، و واضعا رجلا على رجل ، أم أنّه كان القائد المغوار في مقدمة جيشه في كلّ غزوة و معركة ضدّ الكفر ، و قد تحرّك و تعب و سافر و هاجر و جاهد بقلبه و لسانه و يده ، وهل جاءه نصر اللّه و الفتح إلى تحت قدميه دون بذل و تضحية و عمل ؟
و هل أنزل اللّه معه ( في بدر و غيرها ) ملائكة من السّماء يقاتلون معه إلّا تعزيزا و تثبيتا و تكريما أم قال له : نم يا محمّد و من معك فإليكم بالملائكة و هم من سيقاتلون الكفر و سيأتيكم النّصر كهدايا مغلّفة ؟!
و كيف لك أن تجمّد الرّوح في قوله ( تعالى ) :” كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر ” فهل أصمت لأنال رضاك أم أصدع كما صدع رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ) بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لنعود خير أمّة أخرجت للنّاس لا ملعونين و لا مغضوب عليهم فبنو إسرائيل :” كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه ” ، و لن أكون ظهيرا لهم ، و هم من قالوا لسيّدنا موسى ( عليه السّلام ) : ” اذهب أنت و ربّك فقاتلا ، إنّا هاهنا قاعدون “، و لو كان فقد تشابهت حينها القلوب ، و حاشا المؤمن أن يشبه المغضوب عليه !!
السّؤال : لماذا الفصاميّة في رؤية و تحليل الاشياء ؟
لماذا الفرار و اللوذ بالصّمت و أمر و نصح الآخرين بالصّمت بدعوى أن الحقائق لها أقدام و مجرّد أن تراك ستركض بشوق إليك لتعرفها ، و ما عليك إلّا أن تقف و تجمّد عقلك و فؤادك الذي أمرك اللّه بتفعيله بأقل ممّا تجتهد لتفعّل تطبيقات جوّالك ،،
نعم : مأمور أنت بتفعيل عقلك لتتميّز عن الأنعام ، و بقيّة خلقه فلم يُسخّر لك الكون عبثا و لهوا و لعبا ، بل ابتلاء و امتحانا في هذه الدّنيا ،
نعم : خاطب القرآن عقلك بأساليب متنوعة تتيح لك فرصة انتقاء ما يتناسب و مستوى أفقك في تجارة مع اللّه لن تبور ، فاللّه هو القائل : ” لعلّكم تتفكرون ” و ” أفلا تعقلون ” و ” فاعتبروا يا أولي الأبصار ” ، و “مالكم كيف تحكمون “؟ و ” أم على قلوب أقفالها ؟” و ” إنّ السّمع والبصر و الفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسؤولا” و ” إنّها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصّدور ” !!!!
فلماذا اعتاد أولئك تطويع القرآن لهوى النفس و ميلها دون استنقاذ ما بقي من حياة في العقول بعدما دجّنتها الأفكار الوهّابيّة التّكفيريّة الجاهليّة العصريّة ، لماذا يؤمنون بآية و يتجاهلون آية فمثلا : يؤمنون بالصّيام فاللّه يقول :” كُتب عليكم الصيام ” بينما تتعهّد و تتوعّد ولدها بالعقاب لو التحق بجبهات قتال العدوان وكأنّها ترفض و تكفر بقول اللّه : ” كُتب عليكم القتال ” قائلة : ” سأموت بعده لو قُُتل و لا أريده أن يتركني ” ؛ و ما أدراها أنّه سيستشهد و لو كان فمنحة حقيقيّة من ربّ العالمين ، و بهذا فهي ِ تشهد ( دون أن تشعر ) لنساء و بنات و أخوات و أمهات رجال اللّه بأنّهن الأقوى و هنّ الأكثر اتباعا للقرآن ، فهن نساء و لهنّ قلوب كقلبها و ليست قلوبهنّ من صخر أو حجارة ، و لكنّ اللّه لديهنّ أحبّ من الأبّ و الأخ و الزّوج و الولد ،
فلتشعري يا _ هذه _ بحزن و ألم إحداهن حين يستشهد رجُلها و حينها لاتستهيني بدماء رجال اللّه و تضحياتهم ، و لتعترفي أنّك شحيحة في جنب اللّه ، و هنّ الباذلات بسخاء في سبيل اللّه ، و حينها لتعرفي بتقصيرك ، و أقلّها لتكفّي لسانك عن تناولهم و تعميم و تكبير و تجسيم ما قد يبدر من شخص قد ينتمي لأنصار اللّه و يعلم اللّه ؟!
و تبيّني أن تصيبي أحدا بجهالة ، فالكلمة مسؤولة و ستحاسبين عليها كشاهدة زور إن كنتِ تبهتين و ما أكثر البهتان للأنصار !
و أمّا الرّحيل عن هذه الدنيا لا قانون له ، و لامكان و لازمان و هو من عالم الغيب فقد يأتي الرّحيل و منّا في أجمل لحظات عمره ، و ما شكى من مرض أو علّة مسبقا ، و قد يرحل أحدنا من وخزة إبرة ، و قد ينجيك اللّه من موت محقّق و من جديد تكتب لك العودة و يؤذن لك بالشّفاء ، فمن أعطاك الحق في رؤية مصير ولدك الذي يشتاق لجبهات الشّرف فتمنعينه فلو حانت ساعة الرّحيل فلن يستقدم و لن يستأخر ، و سنرحل سنرحل ولو كنّا في بروج مشيدة ، فلماذا التغاضي و غضّ الطّرف عن نهج اللّه و آياته و سبيله و هو الهدى و ( الكتالوج )الذي لم يرسم لك كيفية تحديد شفاه زبونة ( لو كنتِ تخصصيّة فن تجميل مثلا ) و لم يعلمك كيف تصنعين جمالا في وجه امراة من لاشيئ بقلم و فرشاة ، و تؤمنين و تتقنين ذلك و قد سافرت لمنح نفسك فرصة تعلّم هذا الفنّ إلى دبي أو بيروت او …الخ ، و لكنّه يعلّمك كيف تجمّلين روحك فجمال الوجه يزول و تدفنه الأيّام و الأحداث بينما يزداد شباب جمال الرّوح لو تعلّقت و طبّقت آيات اللّه و كلّ القرآن معجزة البيان و الجمال ،،
فيا مَن حاولتُ أن آخذك معي في رحلة إلى ظلال آية كريمة فأمرتني بالصّمت ، و صوّرت لي الحقيقة بــ (عاملة ) تدلّل ربّة عملها لدرجة أنّها لا تكلفها حتّى القيام من مقامها بينما لا تأتي الحقائق إلّا بعلم ودراية كعلم الذي أتى سيّدنا سليمان ( عليه السّلام ) بعرش ملكة سبأ قبل أن يرتدّ إليه طرفه ،،
و هنا : لو آمنتِ بوصول الحقيقة من تلقاء نفسها إليك دون بذل جهد منك لمعرفتها فآمني أنّ الرّزق سيأتيكِ من دون دوامكِ اليومي ، فنامي و لا تجتهدي و لا تعملي !!
و بعد : ماهذا الواقع النّفسي و الرّوحي و القيمي و العقائدي الذي غرسته الوهّابيّة المؤمنة باللا نقاش فما آتاكم العريفي فخذوه، و مانهاكم القرني فانتهوا ، و لحم ابن تيمية مسموم، و انتقدوا كائنا من كان لكن لا تتعرّضوا للزّنداني …الخ ما المبرّر و الاضطرار الذي ينوّم ضميرك و يجعلك سجينة و رهينة فتوى لشيخ تعارض فعله مع قوله و اعترض على القرآن فحلّل القتل و الخمر و فعل قوم لوط، و الزّنا و الموبقات و لعلّه اليوم في مراقص جدّة يحجّ و يعتمر ؟!
ما الذي جعلك حبيسة النّفع المادي و النّفع المالي فقط و جمّد عقلك بأن يتدفق علما و وعيا فترتوي منه قفار و صحاري فؤادكِ المتحجّر ،
لماذا القسوة على القرآن و هجره تطبيقا مع أنّك تسمعينه أذكارا و حصنا صباحا و مساءا ، و قد أقسم اللّه فيه بالحرف في أوائل سور القرآن لعظمة و قوة فاعليته ،
الحرف الذي تبكمينه ، و تردينه قتيلا حين تصمتين و تنصحين بالصّمت غيرك ؟!
عتبي و ألمي من إنسانة متعلّمة يجدر بها تنويع ثقافتها بما يقرّبها من النّجاح الدّنيوي ، و الفلاح الأخروي أشدّ من لو عاتبت أمّيّة لا تعرف قيمة الحرف !!
لماذا وضعتِ بأيقونتك طفلة لها جناحان و أنت تكسرين جناح فؤادك عن التحليق في عوالم المجاهدين الذين لولا تضحياتهم بأرواحهم و إيثارهم لما اسطعت أن تنجحي في عملك تؤدينه في أمان اللّه و أمانهم موفورة الكرامة ، شامخة الرأس ، مصانة العرض، لا يتلقفك جنجويدي ، و لا ينزع عنك غطاء شعرك إماراتي ، و لا يفتّشك داعشي ، و لا يدوس محتلّ كبرياءك ؟!
لماذا تنطلقين إلى عوالم الموضة و التّصميم و حين أريكِ صورة لمجزرة لتشهدي تقاطعين الكلام بمبرّر رهافة حسّك و عدم قدرتك على رؤية تلك المناظر و ليس إلّا هروبا من الحقيقة التي توارينها تحت تلك المبررات الواهية ، بينما قد ترين مشاهد عنف في فيلم ما ؟
أحدثك عن القرآن فتقاطعينني إشارة لي بأن ّ السّكوت من ذهب و هنا السّكوت هو النّار و هو الجحيم و هو جهنّم لكلّ شيطان أخرس يرى الحقيقة فيصمت عنها مهاجرا لدنيا الفناء ، و لن أزيد عن هذا ولن أخوض في حديث آخر ، و سأضع عصا ترحالي إلى هنا ، و أهاجر إلى اللّه و رسوله و عساني لا أضلّ طريقي ، و لكِ أن تهاجري إلى ما شئتِ ، و السّلام .
أشواق مهدي دومان