الإستراتيجية الجديدة للتحالف السعودي الإماراتي.. الانتقال من الحرب المباشرة إلى غير المباشرة.
إب نيوز ٥ سبتمبر
متابعات:
ما يدور الآن في عدن ومناطق الجنوب من اقتتال وصراع لا يمكن فهمه إلا في سياقه التاريخي الحالي والسابق وفي إطار العلاقات البينية للحلفاء، وفي سياق الأهداف العليا للعدوان، وهو صراع بين حلفاء ومرتزقة العدوان وأمراء الحرب والاحتلال السعودي ـ الإماراتي، أو في إطار ونطاق الصراع الرئيسي من أجل الفوز بأكبر قسم من غنيمة العدوان الواقعة تحت سيطرة الإماراتيين والسعوديين ومرتزقتهما، أي الجنوب بكل ما فيه من ثروات ومواقع وسواحل وجزر وموانئ.
انهيار العدوان القديم الكلاسيكي
سبق أن تناولنا الوضع الميداني العسكري والاستراتيجي للعدوان وحالته الراهنة التي وصل إليها نتيجة الهزائم المتواصلة طوال أربعة أعوام ونصف تقريباً بغير انقطاع أو توقف، فهو يهاجم ويزحف ويجد نفسه واقعا في مئات الكمائن والعبوات الناسفة، وفي مرمى الصواريخ الموجهة التي تحيل الآلاف من معداته إلى ركام ورماد وتحرق الآلاف من أفراده ومرتزقته في كل مكان، فأينما ذهب فاجأته الحمم والجحيم، وأينما اتجه في محاولاته للزحف والتوسع فوجئ بالكمائن المنصوبة له، ليذوق أشد الهزائم والانكسارات.
فالقتال بالنسبة لليمنيين أشبه بالنزهة، من فرط الحماس الثوري والشوق إلى النزال مع عدوهم وغازي أرضهم ومستهدف كرامتهم وعرضهم وشرفهم وسيادتهم، حتى صارت الأرض اليمنية المحتلة نارا تحت أقدام العدو، وجهنم حمراء تأكل قطعانه المتوحشة ومرتزقته.
كل تلك الهزائم والخسائر المرعبة التي عصفت بالعدو طوال أربع سنوات ونيف استنزفت موازين قواه وحطمت قدراته وإمكاناته وأسقطته من موقع المهاجم الاستراتيجي القادر على الزحف والسيطرة على مساحات واسعة إلى موقع المستجدي المدافع الباحث عن وسيلة للخروج من المعركة والحرب، والتحول إلى الدفاع على مناطق سيطرته القديمة وحدوده.
فبدأ حلفاؤه وأنصاره ينفضون كل يوم من حوله ويهرب مرتزقته بعد أن رأوا الجحيم والموت، وذاقوا مرارة العلقم، وكان آخر الهاربين هم المرتزقة السودانيون، بعد هروب السعوديين والإماراتيين أنفسهم، والكولومبيين والمغاربة والكويتيين والبحرينيين والسنغاليين والباكستانيين؛ فماذا يغني بن سلمان وبن زايد إن أضافا آلاف جديدة من المرتزقة والمعدات؟! فالنتيجة واحدة ومحسومة سلفا، وهي الهزيمة والخذلان والمزيد من الخسائر البشرية والمادية بينهم.
هذا الخذلان وصل إلى قصورهم وإلى مدنهم الداخلية وإلى أسيادهم في الغرب، وهذا ترامب المغامر المجنون الذي تحدى العالم من أجل حفنة أموال من خزائن العرب وبترولهم ومن أجل عيون «إسرائيل» وأمنها، ها هو ترامب المتنمر الهائج الثور النطوح يعود كالبقرة المبللة ذليلا منكسرا أمام بطولة ورجولة وشجاعة الحرس الثوري الإيراني في إسقاط الطائرات الأمريكية المتجسسة فوق مياه الخليج، والسيطرة على السفينة البريطانية وطرد المدمرات البريطانية الحارسة لها وهي منكسرة ذليلة لا تقوى على الرد والمواجهة الحقيقية.
ها هي بريطانيا العظمى وشعارها الأسد البريطاني الشامخ الشجاع الجسور ذو التاج، الإمبراطورية التي لم تكن تغيب عنها الشمس برايتها الصليبية التي تشير إلى أطماعها وسيطرتها في كل اتجاهات المعمورة، ها هي تلعق اليوم مرارات جراح هزيمتها النفسية والمادية والعسكرية والاستراتيجية في الخليج وبحر العرب أمام مجموعة بسيطة من الثوار الأحرار المؤمنين الصادقين الذين أوقفوها عند حدها وكسروا كبرياءها وحطموا غرورها وبعثروا خيلاءها أمام العالم وأظهروها بمظهر قبيح وهي تنفث دما وقيحا، وتخفت صوتها وتنسحب على حياء ورعب وخذلان تجر أذيال عجلات سفنها ومدمراتها وأساطيلها الحربية وقد عقد الرعب والخوف لسانها الفصيح الصريح المتباهي بالعدوان والهيمنة ونهب حقوق وأموال الشعوب، وفرض قانون الغاب والتصرف في بلاد الله الواسعة وبحارها ومحيطاتها ككلاب صيد مسعورة، وتدعي تملكها وهيمنتها ووراثتها وأحقيتها، تضع النقاط في أي منطقة في العالم وتدعي حقها في التفتيش والمصادرة والحجز ومنع ومنح ما تريد ولمن تريد، ها هي تلك الإمبراطورية القديمة قد انهارت وانكسرت ولن تقوم لها قائمة بعد اليوم.
إنه يوم حاسم وفاصل، وسيدون في سجلات التاريخ أنه اليوم الذي كسرت فيه قرون الامبريالية (البريطانية ـ الأمريكية) معا، أقدم اللصوص، وأضخمهم قوة، وأكبرهم وأمضاهم تسليحا، وأحدثهم تقنيات، وأكثرهم عتوا وتجبرا، هولاء قد ذلوا اليوم ولن يعودوا أبداً إلى ما كانوا عليه من شعور خادع بالقوة والغطرسة والأهلية لحكم العالم واستضعافه واستعباده، بعد أن تعلم أحرار وشرفاء العالم كيف يذلونهم ويكسرونهم ويكسرون مرتزقتهم ووكلاءهم وعملاءهم.
العدوان الأمريكي ـ البريطاني ـ الوهابي يتآكل يوما بعد يوم، وخلال أشهر سوف ينهار كلية، فالأسد العجوز والثور المستبقر والوكيل المخصي باتوا يُستنزفون وينزفون منذ سنوات ولن يقووا على الاستمرار إلى ما لا نهاية.
والنتيجة هنا هي التحول من الحرب المباشرة إلى الحرب غير المباشرة، ومن الحرب الأجنبية إلى الحرب الأهلية، ومن حرب السعودية ـ الإمارات مباشرة إلى حرب الجنوب ضد الشمال وإلى حرب السنة ضد الشيعة.
الخيارات السياسية والاستراتيجية للاحتلال
ما يدور الآن في عدن ومناطق الجنوب من اقتتال وصراع لا يمكن فهمه إلا في سياقه التاريخي الحالي والسابق وفي إطار العلاقات البينية للحلفاء، وفي سياق الأهداف العليا للعدوان، وفي إطار التوازن الراهن للقوى بين الأطراف المتصارعة الرئيسية والفرعية، وهو صراع بين حلفاء ومرتزقة العدوان وأمراء الحرب والاحتلال السعودي ـ الإماراتي، أو في إطار ونطاق الصراع الرئيسي من أجل الفوز بأكبر قسم من غنيمة العدوان الواقعة تحت سيطرة الإماراتيين والسعوديين ومرتزقتهما، أي الجنوب بكل ما فيه من ثروات ومواقع وسواحل وجزر وموانئ.
تقاسم للغنائم في أرض حرب الوكالة
حين دُعيت الإمارات بقواتها إلى الدخول إلى الجنوب والوسط لإدارة المعركة البرية السعودية ـ الأمريكية نتيجة فشل السعودية في إدارة الهجوم البري العدواني شمالا وجنوبا، وهو ما استدعى من الأمريكي إعادة توزيع المهام على وكلائه في المنطقة، فكلف الإمارات نيابة عن السعودية لإدارة الحرب في جنوب اليمن بهدف فصله عن اليمن وسلخه وضمه إلى الكيان الخليجي السعودي ـ الإماراتي التابع لأمريكا، وكان هذا هو هدف الحرب والغزو العدواني من قبل الأزمة السياسية في اليمن التي عرفت بأزمة الشرعية في 26 مارس 2015م، التي استخدمت كحجة وذريعة للقيام بخطة مبيتة تستهدف احتلال الجنوب أولاً والفوز بنفطه وثرواته ومواقعه الاستراتيجية، ومن ثم جعله أرضية وساحة للمرتزقة الذين سيتم استخدامهم للسيطرة على اليمن ككل.. جعل الجنوب ساحة موت وخراب واقتتال وإرهاب وعدم استقرار للمنطقة كلها وقاعدة للاحتراب اليمني ـ اليمني تحت عناوين مناطقية وطائفية ومذهبية وسياسية وأيديولوجية وثأرية وقبلية تمنع وحدة اليمن وتخلق له آلاف الدعوت المتصارعة المحتربة، وجوهرها تدمير النسيج المجتمعي والهوية اليمنية الوطنية الجامعة واختلاق هويات جديدة للجنوبيين والوسط والشرق والغرب والشمال ولشمال الشمال وغيرها من التقسيمات الجهوية مهما كثرت وتعددت فهي المطلوب تحقيقه استراتيجيا.
منطلقات ومركبات الاحتلال والعدوان
ومن أجل شرعنة العدوان فقد استغل خطة الشرعية التي أتى بها لهذ الغرض من البداية، لذلك منعها من الوصول إلى حل سياسي مع الآخرين من الأطراف الوطنية، وهذا ما اعترف به صراحة محمد قحطان وكذلك المبعوث الأممي الأسبق جمال بن عمر في الحوار الوطني في «موفمبيك» عشية وبعد العدوان، حيث قال إنه كان على وشك التوقيع على حل سياسي من قبل الجميع لولا تدخل السعودية وحربها على اليمن.
وقالها صراحة بن قحطان لأنصار الله وللآخرين: «اذهبوا اتفقوا مع السعودية أولاً وما اتفقتم عليه معها نحن نلتزم به وننفذه، فالأمر بيدها هي وليست بيدي أطراف يمنية»، ومعنى ذلك أن الحرب سعودية، بينما «الإخوان» وغيرهم ليسوا سوى مجرد أدوات لها، يعملون بأجورهم فحسب.
فاليمن في نظر هؤلاء العملاء ملك السعودية لا ملكهم، فهم قد باعوها لطرف إقليمي ودولي هو السعودية وأمريكا، واستلموا أثمانا وأموالا وعقارات وحكومات ومناصب ووعود، ولا شأن لهم بالقرار إزاء كل ما يجري. كذلك هادي لا شأن له بالقرار، فهو يتسلم التوجيه السعودي ـ الأمريكي وينفذه دون مناقشة. وهؤلاء هنا يمكن تشبيهم بما كان يُسمى في السينما المصرية القديمة «زوج الست» الذي يغطي جرائم زوجته في الزنا من الباشاوات والزبائن كلما وقعت في أيدي بوليس الآداب، فالقانون المصري لا يجرم جريمة الزنا إلا إذا قام الزوج برفع شكوى على زوجته فقط. لذلك مهمة زوجها هنا هو أن يتنازل عن التهمة كلما وقعت هي في «زنقة» البوليس، فتنازله ينفي عنها التهمة ويسقط عنها الدعوى. أما المستفيد الحقيقي من هذه العلاقة المحرمة فهو رئيس العصابة المشغل الأكبر للماخور، ومهمة جميع المؤجرين النشطاء في إطاره هي حمايته وتغطيته وتحمل أوزاره وأقذاره وجرائمه وممنوعاته وحروبه وخناقاته وجرائمه، مقابل الأجور والإتاوات والعلاوات والجعالات والمميزات الممنوحة لهم. وهذا هو دور الإصلاح والانفصاليين في هذا العدوان، فكلاهما يمثلان أداة في يد العدوان، فيبدوان مختلفين ومتعارضين ومتناقضين صوريا حسب الأدوار والظروف.
المماليك الكبار والأتباع الصغار
يمثل الإصلاح وحلفاؤه في المشترك، وإخوانه من على شاكلة ياسين والسقاف وأنيس والمخلافي والعتواني والباذيب والنعمان والآنسي والزنداني والأحمر وحميد وهادي والزبيدي وشلال والصريع «أبو اليمامة» وبن بريك وغيرهم، من أعضاء الزفة السعودية ـ الإماراتية المشتركة، خدماً مخصيين وغلماناً في قصر السلطان الكبير وضمن حريمه وجواريه التي اشتراها بأمواله وذهبه، وهو من يقرر الحركة والسياسة والكلمات والمبادئ والخطط والمواقف والحروب، وعليهم أن ينفذوا ما عليهم من التزامات بين المالك والمملوك.
والسعودية أيضا مملوكة لسلطانها الأعلى المتجسد في ترامب والمؤسسات الأمريكية الغربية الصهيونية. التراتبية بينهم قائمة على أن المماليك الصغار يخدمون المماليك الكبار. وهكذا تتسلسل العلاقات الإقطاعية الإمبريالية، ومن مقتضيات الإجادة في أداء الدور هو ألا يظهر كل منهم أنه يعلم حقيقة ما يفعل وحقيقة الواقع، وهي علاقة تذكرنا بما تعلمناه في الثانوية في مادة الأدب العربي حول قصة ذلك الملك العريان في قصره والناس تصفق له، والأتباع يحملون في أيديهم أذيال ملابسه الفاخرة، متظاهرين بالفرح بينما هو عريان أصلا، لكن دور كل واحد منهم يتطلب منه أن يتظاهر بأنه لا يرى هذ العري القبيح مهما كان وضوحه. وعندما صرخ أحد الأطفال الحاضرين بأن السلطان لا يلبس شيئا اتهمه الناس والاتباع بالجنون وواصلوا مسرحيتهم ماداموا قد قبضوا ثمن ذلك وما دامت تلك إرادة السلطان، فلماذا يوجعون عقولهم بالسباحة عكس التيار السلاطيني السائد؟!
تلك هي قاعده الاتباع المرتزقة مع سلطانهم المشغل الآمر الناهي. ومن حسنات المرتزقة أيضاً اعترافهم بحقيقة ما يربطهم بالسلطان وسلطان السلطان أيضاً. انظروا إلى قنواتهم واسمعوا ماذا تقول! تقول إنه احتلال لليمن، فلماذا يقولونه الآن؟! هل استيقظ الضمير الميت لديهم أخيرا؟! هل عادت الحياة إليه؟!
طبعاً لا، وإنما هم يعاتبون سيدهم لأنه التفت إلى جارية أخرى أشد جمالا وإغواء وشبابا منهم، نبذهم من الفراش ولم يمنحهم العتق، فهو يتهمهم في إخلاصهم له وفي ولائهم وفي استعدادهم للولاء لأكثر من سيد في وقت واحد، ماداموا يجدون من يدفع أكثر، دون قطع للصلات، ومادام الكل يخدمون السيد الواحد الكبير، العم سام بن مردخاي، كبير النخاسين والشهبندر الدولي.
(تقرير – علي نعمان المقطري)