مدرســة كربلاء .. معين لاينضب !!
إب نيوز ٧ سبتمبر
*بقلــــم:خـــوله العُفيري
كان لا بُدّ من نَصِّ وداع أخير، على ورقةٍ دمويةٍ أخيرة. من بريدِ المكر والخداع إلى بريدِ الصـدق والوفاء.كان لا بُدّ من قفزةٍ مؤلمــــة من على هذا القطار الذي شدّ رحاله من محــطة الثبـــات ليمر من على مقبرة الأولياء والأتقياء من آل بيت رسول الله والصفوة الطاهرة من قاداتها. يعبر أزقة الفساد وشوارع الطغيان ، ولكن أستوقفه الوقت القاسي و اللّاهث على ارض ارتوت بدماء العترة الطاهرة. وابتدأ مشوار جديد في مدينة تعنونت بالكرب والبلاء. وهناك حط القطار رحاله.
حينها يبتدأ مشوار جديد لقساوة الرحلة ووجع فاجعتها التي لم تعود منها سوى الأحزان والألم والمآسي في تلك المدينة التي كانت مدينة للنكبات وساحة للأشلاء وبحراً عميقاً لايدرك قعره لأمواج الدماء التي تركت جرحاً غائراً في قلب هذه الأمـــة .
ماتت ضمائر حيّة وتحجرت قلوب أصحابها؛ فكانت أقسى من الصخور الصمّاء في مؤامرة أحيكت على سبط رسول الله، وٳبن بضعـة روحه وابن باب مدينة علمه.
كم جهلت الأمة عواقبها الوخيمة لفعلها لمثل هذه الجريمة النكراء. فقد شهرت سيف الحقد والغدر بوجه حفيد رسول الله. فسبطه نسخة مصغرة منه ووريثه في أمته .
فالذين كان يسعون سعياً حثيثاً نحوه لقــتاله وشن الأضغان والغي عليه وعلى حرمه ! بعد ٳن كتبت اناملهم اليــه رسائل مكتوبة بعثوها اليه يناشدوه من خلالها بمجيئه الێ الكوفة لينقذهم من جور الطغيان وشدة والفسق والفجور والفساد الذي كانوا أهلاً له.
فهم الذين لم يصدقوا في ما كتبوا اليه بكلمات نسجت في سطور كُتبت من ثم ارسلوها اليه صحائف رسمت حروفها بأيادٍهم الذي بها قتل واحتز رأسه الشريف، وجرد من ملابسه. فقد تلوّنت رسائلهم بدمائه الزكية . وطويت بعد مقتله أكوام من الاوراق الذي ارّسلت حينها اليه. فبكت عليه مفردات وكلمات تلاشت وذهبت ادراج الرياح من قوم كذبوه وانكروها آنذاك من ثم قتلوه واصحابه وشيعته ونحروا طفله الرضيع من الوريد الى الوريد .
عندئذ ٍغضبتُ الكلمات واستنفرت الحروف ونزف الحبر دماءاً لشدة المكيدة التي أحيكت لقتله وسوق نساء بيته سبايا بعد ان هتكت ستورهن وأبديت وجوههن يحدوا بهن الأعدا۽ من بلد الۍ آخر يتصفح وجوههن القريب والبعيد والدني والشريف ويستشرفهن اَأهل المناهل والمناقل ليس من رجالهن ولي ولا من حماتهن حامي.
فلم تكتب اليه تلك الرسائل فحسب بل كتبتُ الأوجاع في قلوب شيعته ومناصريه وكتب الشقا۽ لأمة فرّطت فيه وفي أبآئه من قبله حتّى صارتَ دلالات ٳنحطاطها أثراً ملموساً في واقعها؛ وأثراً ملموساً في ساحتها اليوم ، وأوّلَ الدروس والعبر في مدرسة كربلا۽ التي غدت منهجاً للأحرار والثائرين والمجاهدين الثوار. وكادتَ تكون شرارة التخاذل الوحيدة، لولا أنّ أدركتُ الأمة كم أخطأتُ حين حمّلت عِبْء الشّغف للأمور الدنيوية والمناصب الزائلة ، والرّغبة الجامحة في السلطة ومنازعتها ممن هم أجدر بها ليقيموا العدل والقسط ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر ويصلحوا فساد امة انحرفت منذُ اللحظة الأولۍ مذ ُ ان غادرت روح رسولها للقا۽ ربها.
ففي كربلا۽ لم يبقَ ورق أبيض لم يُسوّد نتيجة الغدر ويتخضب بٳحمرار الدما۽واتّخذت نوافذ البوح والنحيب ونوافذُ السعادة أغلقت أمام موكب الٳبآء إلۍ المدينة المنورة بعد ان كانت الأبواب مُغلقة على الدّهشة أمام بنات رسول الله وهن عائدات لا رجال ولا بنين وسكينة ‘ تقول
*مدينة جدنا لا تقبلينا فبالحسرات والأحزان جينا*
*خرجنا منك بالأهلين جمعا رجعنا لا رجال ولا بنينا*
ِفهذه مجرد عناوين من محتوۍ الوجع والفاجعة المؤلمة والرحلة التي جرحها غائر. وسُلالةِ التفاصيل التي لا أعرف سردها، وأوردتُ بعض الامور التي لا يسعني الحديث عنها وحملٍ من الأوجاع التي لا يمكنني ولا يمكن لمعاجم اللغة البوح بها. وهذه الدُّنيا بحورٌ من دروس وعبر، ولم أشعر بسجن الحديث ، ولونه الدموي ، وجرحه العميق بداخلي الا وكربلاء عالمه. ولا شأن له بالعالم الكبير الذي يسوده الضلال.
لن ننسى كربلاء فنحن نعيش المظلومية ذاتها في هذا العصر ونواجه يزيد وأسوأ منه وتتجلى لنا بطولات الحسين في ميادين العزة والكرامة. ففي ذكرى هذه الفاجعة والمصاب الجلل الذي أصاب الأمة ككل؛ لن نضرب على صدورنا، ولن نرفع أصواتنا بالصراخ والبكا۽ والنحيب لكنّنا سنُطلق سراح الذل ونأخذ العبرة ونتعلم الدروس من مدرسة الإمام الحسين عليه السلام ، ونرى الحياة بعين الأحرار الذي يريدون الإصلاح في هذه الامة ، وسنكتفي كوننا حسينيون بشعارنا “إن الدعي إبن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة”. وتدوي صرخاتنا بهيهات منا الذلة لتكون لنا مواقف حرة. وسنرضى بأن نكون جزءاً منها، وعنواناً من عنوانها، ومعاني من معانيها الخاصة بالأحرار الذين يأبون المذلة والمهانة والوصاية . معاذ الله، فنحن نأبى العبودية. خلقنا احراراً وسنموت احراراً كالإمام الحسين وستجدونا ظلالاً بين سطور الحرية وروحاً ثائرة للأجيال القادمة..