المنهجُ الذي اعتمده الإمامُ الحسين في مسيرِه إلى كربلاء .
إب نيوز ٨ سبتمبر
أم مصطفى محمد
لقد كان التبايُنُ واضحاً في مدرسة عاشوراء بين الهدف العسكري والهدف المعنوي الذي سعى لأجل إثباته الإمَامُ الحسينُ -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- وذلك من خلال مجموعة من الأسس والخطوات النظرية والعملية التي قام بها -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- منذ اللحظة الأولى لتحَرُّكِه من مكةَ متوجّـهاً إلى كربلاء، حيثُ عمد -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- إلى كتابة رسالة إلى أخيه محمد بن علي بن أبي طالب -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- وبني هاشم خَاصَّةً دون غيرهم من المسلمين، مستنًّا بذلك بما أمر الله تعالى به رسوله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عند بدء الدعوة إلى الإسلام فقال سُبْحَانَــهُ مخاطباً نبيه الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)؛ ولذا كان خطابُ الإمَام الحسين -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- عند خروجه من مكة إلى كربلاء مخصصاً إلى بني هاشم خَاصَّة؛ كَونهم هم المعنيين بالدرجة الأولى في الإنذار والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فكان الكتابُ يحملُ الهدفَ المعنوي قبل الهدف العسكري وهو المنهج الذي اعتمده سيدُ الشهداء عليه السلام في مسيره إلى العراق، حيثُ جاء في الكتاب (بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى محمد بن علي ومن قبله من بني هاشم، أما بعد، فَإِنَّ مَن لحق بي استشهد ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتحُ والسلام)، ولا شك أن الذين لحقوا به عليه السلام قد استشهدوا جميعاً، فكانوا هم الوحيدين الذين أدركوا الفتحَ، فبهم تم التأسيسُ لعقيدة ما تسلح بها أحد من الناس إلا وقد فتح عليه النصر فبهذه العقيدة أزيلت طواغيت وقامت دول فضلا عن؛ كَونها ملهماً للأحرار في العالم حينما يقرأون عن حادثة كربلاء، ولعل السيدَ القائد حفظه الله قد أدرك هذا الأمر وأدرك أنه هو مفتاحُ النصر الحقيقي على طواغيت هذا العصر؛ لذا نجدُه قد حرِصَ على بناء الجانب المعنوي ليكونَ هو العونَ لتحقيق الهدف العسكري المتمثل بدحر هؤلاء الظالمين وما كانت محاضراته الرمضانية طوال السنوات الماضية وإلى يومنا هذا إلا أكبر دليل على انتهاجه استراتيجية الإمَام الحسين -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- والمستمدة من القُــرْآن العظيم.
إن الإنسانَ منذ أن خلقه الله تعالى على هذه الأرض وهو يعيشُ في صراع مع ذاته، وبالتالي هو بحاجة إلى وضع مجموعة من الاستراتيجيات؛ للوصول إلى الهدف المنشود والمتمثل بالانتصار على الذات، وهذه الاستراتيجيات لا بد أن تُكلَّلَ بشعاراتٍ على المستوى النظري وكذا العملي، ولعل واقعةَ عاشوراء قد زخرت بالعديد من الشعارات في نطاق الحكمة النظرية والحكمة العملية، فمنذ أن خرج الإمَام الحسين -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- من المدينة إلى وقت اللحظات الأخيرة له على أرض كربلاء كانت تلك الشعاراتُ هي السلاحَ المعنوي الذي اتخذه الإمَام الحسين -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- للقضاء على السلاح العسكري، فمن تلك الشعارات ما قاله -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- حالَ خروجه إلى كربلاء (إنما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمة جدي أريد أن آمُرَ بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب) وقوله -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- أَيْـضاً (ما الإمَام إلا العاملُ بالكتاب والآخذ بالقسط والدائن بالحق والحابس نفسه على ذات الله)، كما نجد من كلماته أَيْـضاً (لا أفلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق) ونجده يقول أَيْـضاً (لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد)، ولعلنا نجدُ أن التاريخَ يُعيدُ نفسَه، فيزيدُ العصر هو نفس يزيد قديماً ذاك الذي استباح حرمة الله وعبث بدين الله وقتل الرجال والنساء والأطفال ولم يرقب فيهم إلًّا ولا ذمة، وفي مقابل ذلك نجدُ الحسينَ -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- قد تجسّدت حكمتُه في ذلك السيد المؤمن الذي قاد أصحابه في معركتهم بين الحق والباطل، ولعل الشعارات التي أطلقها الإمَام الحسين -عَلَيْــهِ السَّلَامُ- سابقاً قد تمثلها هذا السيد المؤمن حديثاً فالنقاطُ الاثنتا عشرةَ التي وجّه بها السيد القائد حفظه الله تدعو إلى إصلاح ليس فقط شعبنا اليمني جراء العدوان الذي يواجهه داخلياً وخارجياً، بل أي شعب يطمحُ إلى إصلاح أوضاعه الداخلية والخارجية، كما نجدُ أن إصرارَ هذا السيد على زرع ثقافة عدم الاستسلام في نفوسنا حتى لو بُعثرنا ذرات في الهواء لَدليلٌ على أنه قد انتهج نهجَ الإمَام الحسين الذي صرخ بأعلى صوته قائلاً: (هيهاتَ منا الذلةَ، يأبى اللهُ لنا ذلك ورسولُه والمؤمنون وحجورٌ طابت وطهرت وأنوفٌ حمية ونفوسٌ أبيّة أن نؤثِرَ طاعةَ اللئام على مصارِعِ الكرام).