ثورة الإمام الحسين منطلقاتها..ظروفها.. ضرورتها..
إب نيوز ١٠ سبتمبر
جهاد اليماني
الأدوارُ التاريخية الكبرى ،والأحداثُ المهمة، والنقاطُ والفارقة يقفُ خلفها الأفذاذُ العظماء.
وملحمة كربلاء الخالدة كان قائدها وبطلها وكاتبَ سطورها بدمه الزكي الطاهر سبطُ المصطفى وسيدُ شبابِ أهل الجنة!
ومن البديهي أن يكون سيد شباب أهل الجنة سيدًا في قيمهِ في مبادئه في أخلاقه؛ بل إنه قد بلغ الذروة في الصفاء الروحي، والكمال الأخلاقي، والعطاء الإنساني والإنقطاع إلى الله والرأفة بعباده..
ومن البديهي أيضا أن يحظى من تُناط بهم الأدوار العظيمة بعناية إلهية وتوفيق رباني..
ومَن نقفُ في رحابه قد نشأ في كنف أمهِ الصديقةِ الطاهرة ؛يرتضع من صدرها الإيمان ويستنشق من أنفاسها نسائم الجنان، وتقرع مسامعه آيات القران.
وتولاه جده رسول الله -صلى الله عليه وآله- بلطفه وأروى ظمأه من معين علمه وحكمته..
يُروى عن ابن عمر أنه قال:” لقد كان الحسن والحسين يُغران من جدهما العلم غرا”
وعلى منوال النبي مضى والده الإمام علي-عليه السلام- فأحاطه وأخاه الإمام الحسن المجتبى بالرعاية والعناية والإهتمام حتى قيل لمحمد ابن الحنفية وهو أحد أبناء الإمام علي من غير فاطمة:
كيف يدفع بك علي إلى القتال في وسط المعارك بينما يقف الحسن والحسين معه؟
فأجاب:” أنا يده وهما عيناه وباليد يرفع الإنسان عن عينيه الأذى والقذى”
فلقد حافظ الإمام عليّ (ع) على حياة الإمام وادخره لملحمة الطف الخالدة ،معركة الإسلام مع الزيف والإنحراف!!
وهنا نضع هذا السؤال :ماهي الظروف التي ثار فيها الإمام الحسين-عليه السلام- وما هي منطلقات وضرورة ثورتهِ عليه السلام؟
يتولى الإجابة إمامنا الشهيد قائلا :”إن هؤلاء قد أظهروا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن واتخذوا مال الله دولا وعبيده خولا وأنا أحق من غيّر”
ويقول إنّا أهل بيت النبوة بنا فتح الله وبنا يختم ويزيد شارب الخمور راكب الفجور ومثلي لا يبايع مثله”
ويقول أيضاً:إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: أيها الناس من رأى منكم سلطان جائر مستحلًا لحرم الله ناكثًا لعهده ..فلم يغيّر عليه بقولِ ِولا بفعل؛ كان حقًا على الله أن يدخله مدخله ”
وعن أهداف ثورته-عليه السلام- يقول :”إني لم.أخرج أشرًا ولا بطرًا ولا مفسدًا ولا ظالمًا وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله”
حين نستقرئ هذه النصوص الحسينية الغاية في الوضوح والبلاغة والإقناع؛يتبين ما وصل إليه حال الأمة من إنحراف فكري وفساد عقائدي، وفراغ روحي، وخلل في منظومة القيم؛ نتيجة للبعد عن القرآن وقرنائه من آل البيت الذين هم أمان لهذه الأمة من الإنزلاق والسقوط في مهاوي الردى.
لقد تحوّلت السلطة من خلافة تقوم على مبدأ الشورى إلى ملَكية وراثة تنتقل من الآباء للإبناء ،وأصبح الحاكمون الذين يفترض فيهم المحافظة على الأخلاق والدين
أكثر الناس فسقًا وفجورا!
وأصبحت علاقة الناس بأمرائهم علاقة العبد بمالكه!وشاعت حالة الصمت واللامبالاة.
فكان لا بد لإمام زمانه وعَلم الأمة أن يثور؛فهو أحق من غيّر “فعلى الإسلام السلام إذا أُبتليت الأمة براعِ ِ مثل يزيد”فذلك الفاسق الماجن _كما أجمع عليه المؤرخون_ لا يُؤتمن على الدين وإقامة الحدود وهو أول منتهك لها!
ومثل الحسين في مكانته ومقامه لا يبايع مثل يزيد؛ فمبايعته تمنحه شرعية ليس أهلًا لها!
من هذه المنطلقات ثار الإمام الحسين-سلام الله عليه-إذْ أن الضرورة الملحّة لبقاء الدين ومعالمه ؛تقتضي ذبحًا عظيم يفتدي الإسلام، ودماَ َ عزيزا؛ يستفز الضمائر الميتة وتبقى حرارته في القلوب جيلاَ َبعد جيل.
وإذا أسقطنا هذه المنطلقات على واقعنا ؛سنجدُ أن غالبية الأنظمة الحاكمة وعلى وجه الخصوص أنظمة الخليج قد انحرفت عن مبادئ الإسلام واتخذ الأمراءُ والملوكُ مال الله دولا وعبيده خولا وأحلوا ما حرم الله وتولوا أعداء الأمة من اليهود والنصارى في انتهاكِ ِ صارخ لكل مبادئ الدين وحدوده !وبالتالي فقدوا شرعيتهم وأهليتهم في الحكم .
ومهمة الأحرار السائرين على درب الحسين -الوقوف في وجوه أولئك المستبدين ،وإيقاظ المجتمع المتبلد وإصلاح مافسد!
وإن استدعى هذا التغيير التضحية بالمال والنفس والولد؛فخسارة المبادئ والقيم هي الخسارة الرهيبة،و مصطلحات الخنوع والذلة لايرتضيها المؤمنون …
وفي ختام الوقفة، نتساءل ماذا لو لم تكن ثورة الإمام الحسين عليه السلام؟
وفي الإجابة عن هذا نقول: لولا تلك الثورة الحسينية الخالدة ؛لأُخمدتْ أنفاس الحرية والكرامة للإبد!ولطُويت شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ملفات النسيان!
ولشُنقت معالم الدين ومبادئه في مشانق سلاطين الجور وأمراء السوء وعلماء البلاط !
وكيف للأحرار أن ينطقوا؟وأنى لهم
ذلك وقد أُودعوا في زنزانة الصمت والخوف وأحاطت،بأعناقهم قيود الطاعة العمياء للأمير وإن أخذ المال وجلد الظهر،في فقه الواقع المهين.
وعن المواقف المتباينة تجاه الثورة الحسينية ستكون وقفتنا التالية.