لا تغيير في نهج ترامب أمريكا أولاً والانسحاب …!
إب نيوز ١٤ سبتمبر
محمد صادق الحسيني
ان اَي تحليل عميق لنهج الرئيس الاميركي ، دونالد ترامب ، ومنذ ان بدأ حملته الانتخابيه التي أوصلته الى البيت الابيض ، لا يمكن الا ان يؤكد عدم ميله ( ترامب ) الى انشاء ادارة امريكيه قويه ( Establishment ) ، كتلك الإدارات الاميركيه السابقة والمتماسكة والتي كانت تعمل كمحرك ، تنسجم جميع مكوناته ، في انجاز عمل متكامل ، عبر نسق من الآليات ، خدمة لمصلحة الامن القومي الاميركي في العالم ، بل ان ما يصبو اليه هو تحقيق رؤية ترامب لمصلحة الامن القومي الاميركي والمعروفه للجميع .
انها باختصار شديد :
1. التركيز على الوضع الداخلي الاميركي ، واعادة احياء الاقتصاد والبنى التحتيه المتهالكة ، في الولايات المتحده .
2. اعادة التركيز على ضرورة العودة الى مبدأ الرأسماليه المنتجه ( الصناعيه ) والحد من تغوُل رأسمالية المضاربات ( أسواق البورصات التي يسيطر عليها اليهود ).
3. تخفيض الانفاق العام للدوله وذلك لتوفير الاموال اللازمه للاستثمارات الضروريه للنهوض بالاقتصاد وخلق فرص عمل جديدة الى جانب تحسين قدرات الولايات المتحده التنافسية في الاسواق الدوليه ، لضمان فرص افضل لمواجهة الصين على الصعيد الاقتصادي والتجاري ، حالياً ومستقبلاً .
من هنا قام الرئيس ترامب بالتخلي عن كل من عارضه توجهاته الشخصيه ، لتحقيق رؤيا ترامب المشار اليها اعلاه ، منذ وصل البيت الابيض حتى الآن . وكان آخر من طرد من المركب هو مستشار الامن القومي لترامب ، جون بولتون ، احد اكثر المحافظين الجدد تطرفاً والصديق اللصيق لنتنياهو ، وداعية الحرب ضد ايران وروسيا وكوريا الشماليه وفنزويلا وكل من يعارض توجهاته العدوانية الخطيره ، والتي يمثلها تيار بعينه في الولايات المتحده الاميركيه .
انطلاقاً من ان ادارة ترامب ليست ادارة اميركية كلاسيكية ذات استراتيجية واضحة ، وبالتالي تعتمد في تنفيذها على أدوات محدده ، فاننا نرى ان الرئيس ترامب قد أعطى كل واحد من مراكز القوى في الولايات المتحده ما يريد تقريباً .
فهو أعطى سماسرة الحروب والدولة العميقه ، بما فيها البنتاغون ، دعاة الحرب بولتون وبومبيو . كما أعطى اللوبيات اليهوديه ، في الولايات المتحده ، كل ما طلبه نتنياهو ، من صفقة القرن الى كل الأدوار التفضيلية في كل المجالات .
ولكنه في الوقت نفسه انتظر موسم الحصاد . فاذا به موسماً لم ينتج شيئاً . حيث ان جميع مشاريع الحروب ، التي كان يديرها دعاة الحرب ، قد فشلت تماماً . لم تسقط الدوله السوريه ولَم يتم القضاء على حزب الله والمقاومة الفلسطينية في غزه وهزم مشروع داعش ، في العراق وسوريا وبمساعدة ايران قبل اَيٍ كان . كما هزم المشروع السعودي في اليمن على الرغم من مرور خمس سنوات على اكثر حروب البشرية وحشية وإجراماً ، مورست ضد شعب اعزل ومسالم ودون اي مسوغ .
اما أم الهزائم فهي هزيمة دعاة الحرب في المواجه الدائره مع ايران ، سواءً على الصعيد الاقتصادي او على الصعيد العسكري ، بعد اسقاط طائرة التجسس الاميركيه العملاقه وعدم قيام الرئيس الاميركي بالرد على اسقاطها ، ما جعل جون بولتون يلجأ الى مؤامرة احتجاز ناقلة النفط الايرانيه ، بالتعاون مع بعض غلاة الساسه في واشنطن ولندن ، على امل ان يتمكن هؤلاء من توريط الرئيس الاميركي في حرب مع ايران .
اما في ما يتعلق بشريك بولتون في التآمر والكذب ، نتنياهو ، فلم تكن نتائج مؤامراته وألاعيبه ومسرحياتيه افضل حظاً من ممارسات بولتون . نفذ اعتداءات جوية على سورية ولبنان والعراق وأخذ كل ما أراد من الرئيس الاميركي . صفقة القرن ، بما فيها من نقل السفارة الاميركيه الى القدس والاعتراف بالمدينة عاصمة ل”اسرائيل” وصولاً الى الاعتراف بسيادته على الجولان .
ولكن الرئيس الاميركي تيقن من ان نتيجة كل ذلك هو صفر . حيث أَمر نتنياهو ، بصفته وزيراً للحرب ، امر جيشه بترك الحدود مع لبنان والانسحاب مسافة سبعة كيلومترات الى الخلف .اي ان جيشه ليس قادراً حتى على حماية نفسه من هجمات محدودة من قوات حزب الله .
فماذا كان قرار ترامب على ضوء كل هذه الحقائق ؟
أ) وقف الاتصالات الهاتفيه مع نتنياهو ، على الرغم من مواصلة الأخير استجداء ذلك ، منذ اكثر من أسبوعين .
ب)اعلان الرئيس الاميركي انه سيبدأ مفاوضات سريه ، مع أنصار الله اليمنيين ، في عُمان .
ج)تأكيده عشرات المرات على رغبته في التفاوض مع ايران وتعيينه الجنرال مارك إِسبر وزيراً للدفاع والذي أعلن في تصريح تلفزيوني انه لا يريد حرباً مع ايران وانما يريد الوصول الى حل دبلوماسي للخلاف .
د) طرده لجون بولتون من البيت الابيض ووضعه لمايك بومبيو على لائحة الانتظار والذي لن يطول انتظاره اكثر من ثلاثة اشهر . ( ربما حتى نهاية شهر تشرين ثاني ١١/٢٠١٩ ) .
وهذا يعني ان ترامب قد قرر العودة الى التركيز على شعارات حملته الانتخابيه الاولى ، بدءً بما ذكر اعلاه اقتصادياً ومالياً ووصولاً الى :
–الانسحاب العسكري الشامل ، من كل “الشرق الاوسط” وليس فقط من افغانستان وسورية وما يعنيه ذلك من تخلٍ كامل عن “اسرائيل” في اللحظة المناسبة …من الناحية العمليه ، وربما من مناطق عديدة اخرى في العالم وذلك خفضاً للنفقات العسكريه الاميركيه ( تملك واشنطن اكثر من الف قاعده عسكريه خارج الولايات المتحده ) .
–الاستعداد لتحسين العلاقات الاميركيه الروسيه ومحاولة منع قيام تحالف او حلف عسكري روسي مع الصين ربما تنضم اليه دولاً اخرى .
–ايجاد صيغة ما للتفاوض مع ايران وتطبيع العلاقات معها ، وما يعنيه ذلك من تخلٍ فعلي عن أدوات
واشنطن الخليجيه وسقوط لهم لاحقاً ، ونعني بالتحديد بن سلمان وبن زايد .
اذ انهم ، كما نتن ياهو ، فشلوا في تحقيق اَي نجاح في المهمات التي أوكلت اليهم في طول “الشرق الاوسط “وعرضه ، الامر الذي جعلهم عبئاً لا طائل من حمله .
ولكن ترامب ، رجل المال والصفقات ، لن يترك بن سلمان وبن زايد ينجون بجلودهم ويذهبون في حال سبيلهم ، دون ان يعصر منهم المزيد من الاموال . اذ انه ، ومن خلال الخبراء الامريكيين المختصين ، يعمل على الاستيلاء على عملاق النفط العالمي ، شركة أرامكو للبترول ، وذلك من خلال طرحها للاكتتاب ( الخصخصه ) في بورصة نيويورك ومنع طرحها في بورصة طوكيو .
كما ان احتياطي النفط الهائل في محافظة الجوف اليمنيه ، الذي يزيد على كل احتياطيات النفط السعوديه ، هو السبب الرئيسي وراء رغبة ترامب عقد محادثات سريه مع أنصار الله ، بهدف انهاءً الحرب . فهو في حقيقة الامر يريد التفاوض مع ممثلي الشعب اليمني ليس حفاظاً على ارواح اليمنيين وانما من اجل ضمان إعطاء حقوق استثمار حقول النفط الموجوده في محافظة الجوف لشركات اميركيه واستبعاد الشركات الروسيه والصينيه وحتى البريطانيه من هذا المجال .
بعدنا طيبين قولوا الله