نيويورك تايمز: الهجمات على “أرامكو” ضربة كبيرة لإنتاج النفط السعودي وسيؤدي إلى ارتفاع الأسعار .
إب نيوز ١٥ سبتمبر
إذا كانت منشأة بقيق قد تعرّضت لأضرار جسيمة، فإن ذلك يعني شهوراً من العمل لإصلاحها وقد ترتفع أسعار النفط إلى نحو 100 دولار للبرميل.
تناولت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية إلى الهجمات الكبيرة التي استهدفت قلب إمبراطورية النفط السعودية أمس السبت مشيرة إلى أنها موجة من هجمات الطائرات بدون طيار التي أعلن عنها المتمردون الحوثيون (أنصار الله) في اليمن. فقد عطلت هذه الضربات أكثر من نصف إنتاج المملكة من النفط لمدة أيام أو أكثر وهددت بإثارة التوترات العالية بالفعل بين إيران وخصومها في الخليج الفارسي.
وتمثل الانفجارات التي وقعت قبل الفجر لمرافق شركة النفط العملاقة أرامكو – والتي زعمت الجماعة المتمردة أنها نفذت من قبل أسطول مكون من 10 طائرات – واحدة من أكثر الهجمات المدمرة على الأراضي السعودية التي تبناها الحوثيون خلال أكثر من أربع سنوات من الحرب في اليمن.
وذكرت الصحيفة أن الهجوم يعد أخطر هجوم على البنية التحتية للنفط في المملكة العربية السعودية منذ عقود، والذي يتضمن قذائف صواريخ سكود التي أطلقتها قوات صدام حسين خلال حرب الخليج عام 1991. وأظهرت صورة أقمار صناعية تابعة لوكالة ناسا الأميركية ما يبدو أنه سلسلة طويلة من الدخان الأسود تتدفق إلى الجنوب الغربي من موقع أرامكو.
وقال بيان شركة أرامكو إن إنتاج 5.7 مليون برميل من النفط الخام تم تعليقه بسبب الهجوم من قبل “المقذوفات”. ويمثل هذا أكثر من نصف إنتاج المملكة وحوالى 6 في المائة من المعروض العالمي من النفط – وهو عجز قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل حاد.
ولم يذكر بيان أرامكو أي جدول زمني بشأن المدة التي يمكن بها تقليص الإنتاج. وفي واشنطن، قالت وزارة الطاقة الأميركية إن الولايات المتحدة مستعدة للاستفادة من احتياطيات النفط في حالات الطوارئ الأميركية إذا لزم الأمر لتغطية انقطاع الإمدادات.
وقال مسؤولون سعوديون إن الانفجارات أصابت منشآت في منطقتي خريص وبقيق. وهي تبعد أكثر من 500 ميل (نحو 800 كيلومتر) عن المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن، مما يثير تساؤلات حرجة حول قدرة السعودية على الدفاع عن أراضيها من هجمات “الحوثيين” بالصواريخ والطائرات بدون طيار مع التوسع الواضح لها.
وقالت “نيويورك تايمز” إن إعلان اليمنيين “الحوثيين” عن المسؤولية، في حالة تأكده، سلط الضوء بشكل أكبر على براعتهم العسكرية السريعة التقدم. وتتهم السعودية والولايات المتحدة إيران بتزويد “الحوثيين” بالمعدات العسكرية والخبرة الفنية، وهو ما تنفيه طهران.
وقد ضربت صواريخ “الحوثيين” مواقع سعودية من قبل، بما في ذلك بنيتها التحتية النفطية. لكن الضربة الأخيرة على أرامكو كانت بمثابة ضربة رمزية ضد المركز التاريخي لثروات المملكة النفطية، وهو محور خطط ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لإعادة تشكيل اقتصاد المملكة. وتستعد شركة “أرامكو” لطرح عام أولي يهدف إلى جمع المليارات لبرنامج إصلاح اقتصادي يروّج له ولي العهد لإبعاد البلاد عن اعتمادها على عائدات النفط.
ورأت الصحيفة أن من المرجح أن تؤدي هذه الهجمات إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية عند استئناف التداول بعد عطلة نهاية الأسبوع وتقييم الخبراء السعوديين للأضرار. وكان خام برنت القياسي أعلى بقليل من 60 دولاراً للبرميل يوم الجمعة.
وفي مكالمة هاتفية بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وولي العهد يوم السبت، عبّر ترامب عن “استعداد بلاده للتعاون مع المملكة لدعم أمنها واستقرارها”، مشدداً على “التأثير السلبي للهجمات الإرهابية الأخيرة على منشآت أرامكو على الاقتصاد الأميركي، وكذلك على الاقتصاد العالمي”، وفقاً لبيان سعودي حول الاتصال.
وقال ولي العهد لترامب إن السعودية “مستعدة وقادرة على مواجهة هذا العدوان الإرهابي والتعامل معه”، وفقاً للبيان.
بعد ساعات، ألقى وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو باللوم مباشرة على إيران في “هجوم غير مسبوق على إمدادات الطاقة في العالم”. ومع ذلك، لم يقدم بومبيو أي دليل محدد.
وذكرت “نيويورك تايمز” أن الحكومة الأميركية تعتقد أن 15 منشأة في بقيق تعرضت لأضرار على الجانبين الغربي والشمال الغربي وليس على الواجهات الجنوبية، كما كان متوقعاً إذا جاء الهجوم من اليمن.
ويعد خريص أحد أكبر حقول النفط في السعودية ويعتقد أنه ينتج حوالى 1.5 مليون برميل يومياً. وأبقيق هو موقع أكبر منشأة لمعالجة النفط في المملكة، تديره شركة النفط السعودية العملاقة أرامكو. وقد تكون أهم جزء من البنية التحتية للنفط في العالم، تم بناؤه لمعالجة نحو 7 ملايين برميل من النفط يومياً بحيث يمكن شحنها من الخليج الفارسي إلى الأسواق الخارجية.
وأنتجت السعودية 9.85 مليون برميل من النفط يومياً في آب / أغسطس الماضي، وهو ما يمثل حوالى 10 في المائة من المعروض العالمي.
وأظهرت مقاطع الفيديو المنشورة على الإنترنت حرائق هائلة تبعث أعمدة ضخمة من الدخان. ويمكن سماع دوي انفجارات كبيرة وأصوات إطلاق النار في بعض أشرطة الفيديو.
وذكر بيان صادر عن وكالة الأنباء السعودية أن الهجمات وقعت في حوالي الساعة الرابعة صباحاً وأن فرق أرامكو احتوت النيران. ولم يذكر البيان ما إذا كان أي شخص قد أصيب.
وقالت السعودية إنها لا تزال تحاول تحديد من نفذ الهجوم، على الرغم من تبني القوات المسلحة اليمنية له.
وقال العقيد تركي بن صالح المالكي، المتحدث باسم التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن، إنه تم جمع أدلة مادية، لكن “التحقيقات جارية لتحديد الأطراف المسؤولة عن التخطيط لهذه الهجمات الإرهابية وتنفيذها.”
وقالت الصحيفة إنه لسنوات، حدد المتمردون “الحوثيون” هجماتهم عبر الصواريخ والطائرات بدون طيار على السعودية بأنها انتقامية وتهدف إلى إنهاء التدخل العسكري السعودي، بما في ذلك الغارات الجوية السعودية التي أودت بحياة الآلاف من المدنيين. وأصبحت هجمات “الحوثيين”، بما في ذلك على المطارات المدنية والمنشآت النفطية، أكثر تواتراً في الأشهر الأخيرة، مما أدى إلى اتهامات سعودية بأن إيران حضت المتمردين على فتح جبهة عسكرية جديدة خلال المواجهة المتفاقمة بين طهران وخصومها الإقليميين.
وأقر “الحوثيون” بتحالفهم مع إيران، لكنهم نفوا التصرف بناءً على أوامر طهران. وقال متحدث عسكري باسم “أنصار الله”، بحسب ما نقلت عنه قناة المسيرة الإخبارية، إن هجمات الجماعة على السعودية ستتوسع وستصبح “أكثر إيلاماً طالما استمر عدوانها وحصارها”.
وقال بروس ريدل، وهو ضابط كبير سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وخبير في الشؤون السعودية منذ فترة طويلة، “إن إيران تساعد الحوثيين، لكن هذا يخفي المشكلة الأكبر المتمثلة في دعم السعوديين للحرب في اليمن”. وأضاف: “خمس سنوات من تدليل البلطجة المتهورة من قبل إدارتين أنتجت أسوأ كارثة إنسانية في عصرنا في اليمن والآن تهديد لأمن الطاقة في العالم. لقد حان الوقت لأميركا أن تقول (إن ولي العهد السعودي) [محمد] يجب أن يذهب”.
وأشارت الصحيفة إلى أن الحرب اليمنية قد أدت إلى واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم وتسببت في مقتل حوالى 100 ألف شخص، وفقاً لتقديرات حديثة صادرة عن مجموعة مراقبة الأزمات. وقد فشلت الجهود الدبلوماسية بقيادة الأمم المتحدة مراراً وتكراراً في وقف القتال.
ونقلت “نيويورك تايمز” عن جان فرانسوا سيزنيك، وهو زميل أقدم في مركز الطاقة العالمي في المجلس الأطلسي، إن الغارة على بقيق، حيث تتم معالجة النفط الخام، استهدفت “قطعة حيوية” من شبكة إنتاج النفط السعودية مع كشف الفجوات في القدرات الدفاعية للمملكة. وقال سيزنيك: “لا يمكن مهاجمة بقيق من الأرض. لكن من الجو، من الصعب الدفاع عنها”.
وقد تم استهداف المنشأة من قبل من قبل متشددي تنظيم القاعدة قبل أكثر من عقد، ومؤخراً من قبل “الحوثيين”، لكن من دون جدوى.
ووصف روبرت مكنالي، مساعد الأمن القومي السابق في شؤون الطاقة للرئيس الأميركي جورج بوش، منشأة بقيق بأنها “جوهرة التاج للمملكة العربية السعودية”. وقال مكنالي، وهو حالياً رئيس شركة الاستشارات في مجموعة رابيدان للطاقة، في رسالة إلكترونية: إنه ليست هناك منشأة أخرى تقترب من أهمية منشأة بقيق فيما يتعلق بخلق الثروة من المملكة. “حتى لو كان الضرر خفيفاً، فإن حقيقة قيام الوكلاء الإيرانيين بمهاجمة جوهرة التاج في المملكة العربية السعودية تعني أن مستوى المخاطرة الإجمالي في ارتفاع”.
وقال مكنالي إن وقت إصلاح المنشأة – وتقلبات الأسعار في سوق النفط – ستعتمد على ما إذا كانت المكوّنات وأنظمة الدعم “الفريدة من نوعها” قد تعرضت لأضرار جسيمة. وأضاف أن مثل هذا السيناريو سيعني شهوراً من العمل في المستقبل وربما ترتفع أسعار النفط إلى نحو 100 دولار للبرميل.
وكتب مكنالي للصحيفة قائلاً: “لا تسيطر بقيق على 5 في المائة فحسب من إمدادات النفط العالمية، ولكنها تمسك بكل الطاقة الإنتاجية الفائضة تقريباً”. لكنه أضاف: “إذا كان الضرر خفيفاً، فقد ترتفع أسعار النفط الخام بمقدار بضعة دولارات فقط للبرميل في البداية”.
وقالت “نيويورك تايمز” إنه على الرغم من أن الولايات المتحدة تنتج معظم نفطها الخام وتستورد معظم الباقي من كندا، فإن قفزة الأسعار العالمية تؤثر على جميع المنتجين والمستهلكين وستظل لها بعض التأثيرات على الأميركيين في محطات الوقود. ويمكن للسعودية تقليص أي نقص في أسواق النفط في الوقت الحالي من خلال زيادة إنتاج النفط الخام الخفيف منخفض الكبريت والذي يتطلب معالجة أقل. ويمكن الاستفادة من إمدادات النفط الخام التي يحتفظ بها في التخزين.
لكن مكنالي قال في مذكرة للعملاء إن تلك المخزونات من النفط الخام تضاءلت. ولدى السعودية حوالى 188 مليون برميل، وهو ما يكفي لتغطية انقطاع إمدادات بقيق المقدّر بـ5 ملايين برميل يومياً لمدة 37 يوماً.
واستشهدت مجموعة رابيدان للطاقة بتقرير عام 2011 يقدر أن شركة النفط المملوكة للدولة “أرامكو” يمكن أن تقلل بسرعة من حدوث عطل إلى حوالى 3.5 مليون برميل يومياً – لا يزال نحو 3.5 بالمائة من استهلاك النفط اليومي في العالم. وتمتلك الشركة بعض مرافق