عطوان: ماذا يعني ترامب عندما يقول للسعوديين “قاتلوا ايران وسندعمكم”؟ وما هي “الثورة” الجديدة في التصنيع العسكري التي كشفها الهجوم على منشآت ابقيق وخريص وغيرت كل قواعد الاشتباك؟
إب نيوز ٢٢ سبتمبر
عبد الباري عطوان:
ماذا يعني ترامب عندما يقول للسعوديين “قاتلوا ايران وسندعمكم”؟ وهل ارسال بضعة مئات من الجنود الى الرياض ستوفر الحماية لهم؟ وكيف نراها خطوة مخيبة للآمال قد تعطي نتائج عكسية؟ وما هي “الثورة” الجديدة في التصنيع العسكري التي كشفها الهجوم على منشآت ابقيق وخريص وغيرت كل قواعد الاشتباك؟
ارسال الإدارة الامريكية “مئات” من الجنود الأمريكيين الى المملكة العربية السعودية يقلص احتمالات العمل العسكري كرد على الهجوم الذي استهدف منشآت النفط في ابقيق وخريص، واثار هزة غير مسبوقة في أسواق الطاقة والمال في العالم بأسره.
مارك اسبر، وزير الدفاع الأمريكي، قال ان ارسال هؤلاء الجنود جاء بطلب سعودي اماراتي لتعزيز القدرات الدفاعية، الجوية والصاروخية للبلدين، مما يؤكد صحة الرسالة التي بعثها الرئيس ترامب للمسؤولين السعوديين: “قاتلوا وسندعمكم.. ولا تعهدات بحمايتكم.. ودفع الثمن يجب ان يكون مقدما فلا دعم بالمجان”.
هذا الموقف الأمريكي سيصعد من حالة الخذلان وخيبة الامل السعودية الإماراتية تجاه “الحليف” الأمريكي، فالقيادة السعودية لم تتوقع ردا أمريكيا على منشآتها النفطية بإرسال مئات من الجنود، وانما ارسال مئات الصواريخ والاقدام على رد ساحق على ما تصفه بالعدوان الإيراني، يؤدي الى تدمير منشآت نووية او نفطية او الاثنين معا، ولكن ما تريده القيادة السعودية شيء وما يريده ترامب شيء آخر مختلف كليا.
عندما يقول ترامب للسعوديين بصراحة ووضوح، قاتلوا وسندعمكم، فهذا يعني ان مهمة الرد يجب ان تكون سعودية محضة، ومن قبل الطائرات الامريكية الحديثة، أي تحميل الرياض وحدها مسؤولية أي حرب قادمة على ايران، وكل ما يمكن ان يترتب عليها من تبعات.
***
المسؤولون السعوديون حاولوا طوال الأيام القليلة الماضية، وبالتحديد منذ بدء الهجوم على المنشآت النفطية “تدويل الازمة” بالقول ان هذا الهجوم لا يستهدف السعودية ومنشآتها فقط، وانما امدادات الطاقة، والنظام المالي العالمي، أي ان الرد، أي رد، لا يجب ان يكون سعوديا فقط، وانما عالميا، ومن أمريكا والدول الغربية تحديدا.
المشكلة التي ظهرت بوضوح من خلال التدقيق في ما بين سطور الهجمات على منشآت ابقيق وردود الفعل عليها يمكن حصرها في نقطتين:
الأولى: فشل المنظومات الدفاعية الامريكية، وكل ما يتفرع عنها من صواريخ (باتريوت) ورادارات حديثة متطورة، وعبر عن هذا الفشل بوضوح فلاديمير بوتين عندما طالب السعودية بنقل بندقية التسليح من الكتف الأمريكي الى الكتف الروسي.
الثانية: فشل استراتيجية التدريب والاعداد للقوات السعودية وقياداتها وجنرالاتها الممثلة في الخبراء الأمريكيين والكليات العسكرية (ويست بوينت) التي انخرط فيها معظم هؤلاء الجنرالات السعوديين، وأبناء الاسرة الحاكمة على وجه الخصوص.
ارسال مئات من العسكريين الأمريكيين للإشراف على إدارة المنظومات الدفاعية السعودية هو محاولة لإصلاح هذين الفشلين جزئيا، وتهدئة حال الغضب السعودي في هذا المضمار، ولكن هناك اعراض جانبية يمكن ان تترتب على هذه الخطوة الامريكية، ابرزها اظهار المؤسسة العسكرية السعودية بمظهر الضعيف غير القادر على حماية بلاده، او تشغيل المنظومات الدفاعية الامريكية بشكل فاعل.
لا نستبعد وجود خطة أمريكية لتوريط السعودية والامارات في حرب مع ايران، تماما مثلما فعلوا مع عراق صدام حسين عام 1980، الامر الذي سيؤدي الى اضعاف البلدين، والاستيلاء على احتياطاتهما المالية الضخمة، ورهن ثروتيهما وصناعاتهما النفطية وعوائدها لعقود قادمة.
الرهان الأمريكي الذي عبر عنه الجنرال اسبر، وزير الدفاع الأمريكي، ويتمثل في اللجوء الى العقوبات الاقتصادية على ايران وآخرها على المصرف المركزي، من اجل اجبارها على العودة الى مائدة المفاوضات لن ينجح ويعطي ثماره، بل سيزيد من الهجمات، سواء الإيرانية المباشرة منها، او من قبل حلفائها في لبنان والعراق واليمن وغزة وسورية، لكسر هذه العقوبات واجبار واشنطن للتخلي عنها تقليصا للخسائر، فهذه حرب كسر عظم، والعقوبات على البنك المركزي الإيراني هي تجويع حتى الموت ليس للشعب الإيراني فقط، وانما لحواضن المقاومة في منطقة الشرق الأوسط بأسرها، ولذلك لن تمر هذه العقوبات دون رد.
الانقلاب الكبير في الموازين والمعادلات العسكرية في المنطقة والعالم يتمثل في “ثورة” تسليحية جديدة وغير مسبوقة، ابرز عناوينها انتاج ايران وحلفائها أسلحة تقليدية بديلة صغيرة رخيصة الثمن، تستخدم كأذرع وأدوات ضاربة وقوية لإفشال التكنولوجيا الامريكية والغربية الباهظة الثمن أولا، وافشال الإرهاب الاقتصادي الذي تشنه إدارة ترامب، ليس على طهران وحسب، وانما على موسكو وبكين، ودمشق وبغداد وكاراكاس وصنعاء أيضا.
الجنرال حسين سلامي، قائد الحرس الثوري الإيراني، حذر الامريكان السبت من ان أي “هجوم على ايران لن يبقى محدودا، واي دولة تقدم عليه ستصبح ساحة المعارك، ولن نسمح مطلقا بجرنا الى حرب على أراضينا”، هذا التهديد يعني ان الرد الإيراني سيكون في العمق الخليجي، وربما الإسرائيلي أيضا، وكل المنشآت النفطية والقواعد والمصالح الامريكية ستكون مستهدفة، والهجوم على ابقيق مجرد “بروفة” فقط.
أحدث التقارير الغربية كشفت ان صواريخ كروز السبعة، والطائرات المسيّرة الـ 18 التي هاجمت منشآت ابقيق وخريص السعودية طارت على ارتفاع 90 مترا لتجنب الرادارات الامريكية، والوصول الى أهدافها دون أي اعتراض، أي ان الطرف الآخر يملك دهاء عسكريا قادرا على هزيمة التكنولوجيا الامريكية، أي ان المال ربما يحقق التفوق العسكري نظريا، ولكنه لا يحقق الحماية، وليس ضمانة للنصر في نهاية المطاف، فمن يبدأ الحروب ليس شرطا هو الذي يضع نقطة النهاية لها، ولنا في حروب العراق وأفغانستان وسورية وفيتنام بعض الأمثلة.
***
ترامب في ورطة حقيقية، واثبتت الازمة مع ايران بأنه “أرنب” من ورق، فلم يستطع تركيع ايران، ولم يجرؤ على غزو فنزويلا، وجبّن في الاقدام على الثأر لإسقاط طائرته المسيرة فوق مضيق هرمز، او حماية “حلفائه” السعوديين الاماراتيين، ومن احتجاز ناقلة أصدقائه البريطانيين، وكل ما يستطيع فعله لإنقاذ ماء وجهه، والتغطية على هزائمه، هو فرض المزيد من العقوبات التي باتت باهظة التكاليف على ادارته، ناهيك عن فشلها، ونتائجها العكسية.
عندما تتعطل الملاحة في مطار دبي نتيجة طائرة مسيرة صغيرة لا يزيد ثمنها عن ألف دولار في افضل الأحوال، فهذا مؤشر على ان حركة “انصار الله” الحوثية جادة في تحذيراتها التي اطلقتها في الأيام القليلة الماضية لدولة الامارات العربية المتحدة، وان الأيام المقبلة قد تحمل تطورات كارثية.
حماقات ترامب، وسوء حساباته، وجهله المطلق بالمنطقة، والمتغيرات المتسارعة فيها والعالم باسره، وابرزها اعلان الصين عن الحرب على الدولار وهيمنته، واستثمار 400 مليار دولار في ايران، ستضع بداية النهاية للعصر الأمريكي وغطرسته.. والأيام بيننا.