ولّى زمن الأنبياء وجاء زمن الأولياء..
إب نيوز ٣٠ سبتمبر
د. أسماء الشهاري
بينما رجال الرجال يبذلون مهجهم وأرواحهم رخيصة من أجل كرامة الشعب وحرية وعزة الوطن الغالي منذ بداية هذا العدوان وما قبله، وكنتيجة طبيعية لما رأينا أمام أعيننا من صمود وثبات وكرامات أشبه بالمعجزات أمام عدوان عالمي وتكالب أممي بكل ما يمتلك مما لا حصر له ماديا وعسكريا وإعلاميا ومن شراء للضمائر والذمم وإخراسها بينما هذا العدوان يستمر في غطرسته وحماقاته وجرائمه واعتدائاته كل يوم أكثر من سابقه، لكن في المقابل كانت ولا تزال هناك أمجاد وبطولات أسطورية هي السرّ وراء كل ما نحن فيه من عزة وما نحن عليه من ثبات وصمود رغم كل شيء.
منذ بداية هذا العدوان وأمام كل هذه التضحيات والدماء الغاليات وأمام كل هذه القصص والمواقف التي جعلتنا نقف نحن أمامها في دهشة وحيرة حد الذهول قبل أعدائنا، كنا نحاول أن نلملم شتات أفكارنا وأن نستجمع قوتنا ونستدعي أمهات ومعاجم اللغة ونسمح لأرواحنا أن ترحل عنّا لبعض الوقت وأن تحلق في الفضاء الواسع البعيد وفي أفلاك السماوات وأن تغوص إلى أعماق البحار والتاريخ علّها تسعفنا ببعض المعاني والكلمات لنجد منها ولو شيئا يسيرا يُحاكي بعض من هذه العظمة والشموخ والمواقف الخرافية الأسطورية الأشبه بالخيال التي بالكاد كانت تصدقها أعيننا رغم أنها تراها ماثلة أمامها، وبالكاد تستوعبها عقولنا لأننا لم نسمع عنها إلا في عالم الأساطير والخيال ولم نصدق أن تعاينها أعيننا ذات نهار!
ظللنا هكذا منذ ما يقارب الخمسة أعوام في ظل هذا العدوان الذي لم يعرف أنه جعلنا نعيش في ملكوت آخر رغم كل الآهات والمعاناة هو ملكوت الأولياء..
في كل مرة كنّا نكتب ونعتقد أننا قد وفّينا ولو جزءا يسيرا من حق هؤلاء العظماء الذين كان أجدادهم هم من صنعوا التاريخ وشيّدوا دعائمه وأعلوا بنيانه وأقاموا أركانه، لكننا في كل مرة نلملم بقايا أوراق دفاترنا ومجلداتنا الضخمة وأقلامنا التي جفَّ حبرها وهي تدرك أنها مهما كتبت عنهم فإنها لن تصل إلى قعر بحر عظمتهم ولا إلى سقف سماء عزتهم.. وما يكون منها إلا أن تتوه وتضيع بين مفردات وأبجديات قواميس رجولتهم وأمجادهم وبطولاتهم التي لها بداية وليس لها نهاية، وكيف لأقلامنا أن تحيط بسعة السماء أو بنهاية قعر المحيط.!
وبينما نحن نحاول أن نصيغ شيئاً يشبههم أو يحاكي شيئاً من ملامحهم ورغم محاولاتنا الكثيرة والتي تكلمنا فيها مع كل شيء يشبه شيئا من شموخهم وأنوار طلعتهم، سافرت أرواحنا كثيراً إلى قمم وأعالي الجبال الشُم الشاهقة وأخبرتها أقلامنا أن جذورها الضاربة الممتدة الغائرة في أعماق الأرض وقممها العالية المعانقة لعنان السماء ما فعلت ذلك إلا محاكاةً لهم وما هي إلا انعكاسا لشموخهم وثباتهم وعظمتهم وعلو هممهم وعزائمهم..
تحدثنا مع الشمس التي أكدت لنا أنها لا تستمد أنوارها وضياءها إلا منهم وأنها تشرق أولاً على جباههم الغرّ الأبيّة كل يوم لتسطع أنوارها على العالم ككل.
وعندما تكلمنا مع ذرات الرياح وأنسام الهواء وسألناها، أيُّ عبقٍ هذا الذي تحمله؟
تحدثت كل ذرة فيها بأنها أنسام العزة والحرية والكرامة التي تهبُّ رياحها من جبهاتهم ومتارسهم..
وعندما رأينا الكون والزمن يتوقف ويقف منحنيا وخاشعا في حياء، تعجبنا!
فأجاب: أنه لا يقدر إلا أن ينحني أمام من سطروا المعجزات بأقل الإمكانيات وكتبت تضحياتهم ودماؤهم ومواقفهم وبطولاتهم التاريخ في أنصع صفحات الدهر، بل وغيّرت مجراه قديماً وحديثا..
وكيف ندرك لتضحياتهم وبطولاتهم غاية وليس لقطرات البحر نهاية؟
وهكذا مهما توجهنا يُمنةً أو يُسرة وجدناهم ووجدنا ثباتهم وعظمتهم وبطولاتهم في كل شيء فكان مما كتبناه عنهم أنهم مدرسة الرجولة والإباء والبذل والتضحية والفداء التي سيظل العالم ينهل ويتعلم منها أسمى المعاني والقيّم التي لن ينضب معينها أبدا وستظل خالدة بخلود ذكراهم وذكرى أساطيرهم ومعجزاتهم التي سطروها بتضحياتهم ودمائهم الزكية وحفرتها في عمق ذاكرة التاريخ، ولا عجب فقد ولّى زمن الأنبياء وجاء زمن الأولياء.
وكالعادة في كل مرة وبعد سعي حثيث عن التعبير أو الكتابة نجد أنفسنا عاجزين فكيف لأرواحنا البشرية أن تكتب عن أرواحهم الطاهرة الملائكية التي بلغت أعلى درجات الكرامة والتضحية والإيثار وأعادتنا إلى زمن الكرامات وكل ما نعجز عن وصفه من تأييد رب الأرض والسماوات، فكم تبدوا مواقفهم كبيرة وكم نقف أمامها في ذهول وحيرة!
ولو تحدثنا عن موقف واحد من المواقف التي لا تحصى، فإن خطوات ذلك المجاهد الواثقة الإيمانية والتي تدل على يقين مطلق بالله، تلك الخطوات التي كانت تتحطم وتسقط تحت كل خطوة منها حصون المرتزقة والغزاة وتتبعثر آمالهم ومن خلفهم وتتلاشى أوهامهم، ولم يكن ما فعله غريبا ولا مستبعدا بل مشهدا مكررا وشبه اعتيادي منه ومن كافة المجاهدين الأحرار الذين يحملون اليمن الجريح على أكتافهم ويمضون به نحو بر الأمان بينما يحاول المرتزقة والأعداء للنيل منه بكل ما أمكنهم ومن كل اتجاه متصدين بأجسادهم لكل آلات القتل والدمار، فهؤلاء المجاهدين العظماء لا يأبهون بذلك ويمضون في طريق النصر والعزة بكل ثبات ودون تراجع أو التفات بأقدامهم الحافية وإمكاناتهم البسيطة يدافعون عن وطنهم الجريح بكل قوة واقتدار وبكل ما أمكنهم مهما كلفهم الأمر ومهما بذلوا في سبيل ذلك حتى ولو كانت أرواحهم هي الثمن فإنهم لا يبالون طالما هو في سبيل الله والوطن والمستضعفين حتى ولو سقط منهم الواحد تلو الآخر فإنهم يقدمون كل ذلك بكل حب ورضا وطواعية وشجاعة قلّ نظيرها حتى في الأساطير ، فماذا نقول عنهم وكيف نفيهم حقهم؟
نعلم أن كلماتنا مهما بلغت تعجز أن تدرك كنههم أو تحاكي عظمتهم.. لكن يكفينا أن كان لنا شرف محاولة الكتابة عنهم، فهل سنحظى يوما بشرف تقبيل أقدامهم الطاهرة التي تهاوت تحتها كل معاقل الظلم وجيوش الطغاة والمعتدين .