ترابُ وطني لا يلتصق بأحذية الغزاة
إب نيوز ٨ أكتوبر
مُذ كنتُ صغيراً وكما هو حال الكثير من أبناء وطني، تعلّمت من والدي الكثيرَ من معاني الوطنية، من مبادئ الانتماء والولاء لليمن، ودائماً ما كان يؤكّـدَ لي النظريةَ القائلة: “إن ترابَ اليمن لا ولم ولن يلتصقَ يوماً بأقدام الغزاة والمحتلّين على مر العصور”، وهـذه النظرية توارثتها الأجيالُ اللاحقة عن الأجيال السابقة حتى وصلت إليه ومن ثمَّ إلينا، وكما هو معلومٌ للجميع فذاكرةُ التاريخ تؤكّـد على “أنَّ اليمنَ كان مقبرةَ الغزاة” وما زال كذلك.
وعلى مدى أربعة أعوامٍ ونصف عام من العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي الغاشم، ظلَّ الوطنُ اليمني مقبرةً ومحرقةً تلتهم الغزاةَ والطامعين، ويوماً شاهدتُ على شاشة إحدى الفضائيات بعضاً من تراب وطني يلتصق ببيادة مستعمرٍ جديد، فبقدرِ ما أغاضني المشهدُ إلّا أني هرعت لإخبار والدي وكأني أريد إشعارَه ببطلان تلك النظرية أَو عدم جدواها في الوقت الراهن، غير أنه فاجئني بردهِ قائلاً: “ذلك ليس تراب وطني.. ولك أن تتأمل.. إنما هي بعضٌ من أشلاءٍ متناثرةٍ لفظتها الأرضُ لمرتزِقةٍ ومأجورين من بني جلدتنا –للأسف الشديد– وأستخدمها الغازي مطيةً يدوس ويسير عليها؛ لكي يستقر على الأرض التي تموج من تحته”.
هنا أدعوكم للتأمل في هذا الرد، والنظر بتجردٍ وموضوعية فيمن يناصرون أَو يقاتلون في صفوفِ تحالفِ العدوان ممن يفترض أنهم إخواننا ومن بني جلدتنا، ما موقعهم في سلّم القيادة؟ في مصدر القرار؟ من المتحكم؟ من الآمر الناهي؟ بالطبع سترون، كيف تستخدُمهم قوى الغزو والاحتلال؟ كيف تحَرّكهم؟ أنّى ومتى وأينما شاءت؟ كيف يساقون كالنعاج إلى مذابحِ الموت؟ إلى محارق الهلاك؟ كيف يُستغلّون أسوأ استغلالٍ؟ وتمتهن آدميتهم وكرامتهم ورجولتهم أبشع امتهان؟ مقابلَ ماذا؟ مقابل المال المدنّس.. الوعود الكاذبة.. العناوين الزائفة.. الأماني المستحيلة..! ما الذي سيجنونه لأنفسهم؟ لوطنهم؟ وقد فقدوا هنالك هويتهم وانتماءَهم، فقدوا هنالك كرامتَهم وحريتَهم، فقدوا هنالك كُـلَّ شيء..! فمهما كبُرت وتشعبت لديهم المبرراتُ والحججُ، ومهما جارت عليهم الظروفُ والمواقف، لا يمكن أن يجاز لهم التخندق خلفَ أعداء وطنهم وشعبهم.
فلأولئك نقولُ والتاريخ يقولُ وخبراتُ الحياة تقول: عودوا إلى رشدكم واستنفروا ما تبقى لكم من معاني الرجولة وَمبادئ الانتماء للوطن اليمني، واستفيدوا من قرارات العفو ولجان المصالحة، فجميعُنا يدرك الكثيرَ من المخدوعين، فكم هناك ممن لا يفقهون بأنهم مجردُ أدواتٍ ودمى، مغيبون عن الوعي والإدراك عن كونهم يسهمون في معاناة أبنائهم وعوائلهم، يسهمون في تدمير قُراهم وهدم منازلهم وتخريب مزارعهم وتخويف أسرهم، لا يدركون أنهم يقاتلون في صفوفِ أعدائهم، يقاتلون ضدَّ مصالحهم ومصالح وطنهم وشعبهم، فكم سقط منهم قتلى ليسوا سوى ضحايا غبائهم، فقوى العدوان لا يعنيها قتلاهم ولا جرحاهم ولا أسراهم، ولا حتى بقاء وطنهم كدولةٍ ولا شعبهم كأمة، بقدر ما يعنيها السير على أشلائهم وجماجمهم، بقدر ما يهمها تحقيقُ أهدافها ومصالحها التي هي بالأَسَاس أهدافُ ومصالحُ الصهيوأمريكية، فهل من مدكر.