لماذا طال أمد الاستعمار البريطاني لجنوب اليمن؟
إب نيوز ١٥ اكتوبر
علي عبدالله صومل
128 عاماً هي مدةُ بقاء الاستعمار البريطاني في الجنوب.. والسؤال:
كيف استطاع المستعمرُ البريطاني أن يبقى كُـلَّ هذه الفترة الزمنية الطويلة مستعمراً لجنوب اليمن؟
لقد اتخذ العدوُّ البريطاني عدّةَ أساليبَ استعماريةٍ ساهمت في إطالة المدة الاستعمارية إلى قرنٍ وثلاثةَ عقود:
1- تغذية النزعة المناطقية والجِهوية؛ لفصل الشمال عن الجنوب، حتى يتمكّنَ من إحكام قبضته الحديدية على عنق الجنوب المستعبد، ولم تقف سياسة الفرز المناطقي والتمييز الجهوي عندَ عملية التجذير لثقافة التشطير بين الشمال والجنوب فحسب، بل حتى على مستوى المحميات المستعمرة نفسها، فقد كانوا يغذّون الصراعاتِ القبائلية والعداوات العشائرية؛ لتتركَ أثرَها في إشغال القبائل والعشائر بتداول الثارات وتبادل الغارات مع بعضهم الآخر، وينسون أَو يتناسون مسؤوليتهم المشتركة وقضيتهم الجامعة، المتمثلة في تحرير تراب البلاد ورقاب العباد من جنود الاستعمار وقيود الاستعباد.
2- إشعال فتيل الفتنة الطائفية والضغائن المذهبية وتوظيفها في تمزيق اللحمة الوطنية وتفكيك الروابط الأخوية والدينية، ونتيجةً لهذه التعبئة العدائية البغيضة فقد وصل الحالُ بمرتزِقة الجنوب آنذاك أن فضّلوا عيشَ العبودية والذلِّ تحتَ رحمة الكافر المستعمر على حياة الحرية والعزِّ تحت قيادة الإمام يحيى حميد الدين أَو من سبقه من أئمة الهداية ورُوّاد العدالة، والسببُ وراءَ خيارهم الأحمق هو كراهيتُهم المتجذّرة في نفوسهم المريضة للإمام الشمالي الزيدي! الذي يختلف عنهم مذهبياً وجهوياً حسب فهمهم السقيم، ونسوا رحابةَ الدين وشموليةَ الوطن، بل وفضّلوا الخصمَ الغريب على ذي الرحم القريب!
3- توظيف انهيار الحالة الاقتصادية وانتشار البطالة الاجتماعية في أكثر المحافظات الجنوبية في شراء المواقف والمتاجرة بالثوابت، فرأى أغلبيةُ السكان وفي مقدمتهم السلاطين والعقّال أنَّ الالتحاقَ بالجندية تحتَ لواء الاحتلال مقابلَ الحصول على الوظيفة والمال وسيلةٌ ناجعة لطلب الرزق الحلال! ولم يفرّقوا بين الكسب المشروع مع التمتع بحقوق الاستقلال، وبين سد رمق الجوع المصحوب بطوق التبعية والاستغلال.
4- كان للشعورِ بعُقدة النقص وفقدان الثقة بالنفس، أضف إليها غيبوبةَ الهُوية الحضارية والاعتداد بالمجد المتأصل وضبابية الرؤية للحاضر والمستقبل، دورٌ بارزٌ في صنع نفسية الانكسار والشعور بالضعف وعدم التكافؤ بين وضعِ الجنوب البدائي المتخلّف، وموقع الإمبراطورية البريطانية المتحضّر كأعظم دولةٍ في ذلك العصر، لها موقعُها الخاص وحضورها المتفرد في دنيا التكنولوجيا الحديثة وعالم الصناعة والاقتصاد المتطوّر.
ونظراً لجدار وعيهم الهش القابل للاختراق وقصورهم الذاتي الذي لن يرشحَهم للفوز في حلبة السباق، فقد كان العدوُّ يبعث بالنخب المثقّفة والشخصيات المؤثرة لزيارة لندن وغيرها من مدن المملكة المتحدة، فلا يعودون إلى وطنهم إلا وهم منبهرون بالحضارة المادية والنهضة العمرانية والتجارية… إلخ، ولا يكتفون باحتقار الذات وتقديس الآخر -الذي هو المستعمر البريطاني- والتسبيح بحمده بمختلف أساليب الدعاية والترويج وعبر كُـلّ وسائل الإذاعة والتبليغ، بل إنهم ليطلبون من ولي نعمتهم ومالك رقابهم المستعمر لثغر اليمن الباسم عدن أن يمنحهم الجنسية البريطانية.
بهذا التحليلِ البسيطِ والعرضِ المختصرِ، نستطيع أن نفهم الماضي ونقيّم الحاضرَ، لنقولها بكلِّ صراحةٍ: إن العبيدَ لا يزالون عبيداً ولم يتحرّروا فكرياً وشعورياً وإن تحرّروا لبرهة من الزمن عسكرياً ودستورياً؛ ولأنهم قومٌ يعشقون الانبطاحَ والهزيمةَ فقد عادت حليمةُ إلى عادتها القديمة مع كُـلِّ الاحترام والتقدير لأحرار الجنوب الحاملين لواء الحرية والتحرير ماضياً وحاضراً، فهم لا يختلفون عن إخوتهم من أحرار الشمال حاضراً وماضياً أَيْـضاً، فجميعهم يعبّرون عن أصالة اليمن وهُويته الإيمانية الضاربة في تخوم التأريخ والممتدة في أُفُق الحاضر والمستقبل إلى أن يرث اللهُ الأرض ومن عليها بإذنه تعالى.