سر تجدد الذكرى.
إب نيوز ٣١ أكتوبر
أم روحُ الله وجيه الدين.
بالرغم من مضي أكثر من ألف وأربعمائة عام على فقدان الأمة الإسلامية نبيها الأكرم صل الله عليه وآله إلا أنه لا زال شاهداً وحاضراً في ضمائر المؤمنين،وبالرغم من أن صورته المباركة غابت عن الأنظار لأكثر من ألف وأربعمائة سنة إلا أن وجهه الشريف لا زال يتلألأ إشراقاً أمام أكثر من مليار مسلم.
وبالرغم من أن نبرات صوته قد رقت مسامع الناس منذ أكثر من ألف عام، إلا أن كلماته لا زالت تدخل القلوب من دون اسئذان وتعيها كل إذن واعية، ولا نبالغ إن قلنا أن كل من يريد أن يعرج سماء الإيمان ويسمو في رحاب الفضيلة ويعلو في مدارج الكمال.. لامناص له أن يدنو من شخصية رسول الله صلى الله عليه وآله وأن يتتلمذ على سيرته وينهل من ينابيع توجيهاته ويستلهم من رؤاه وبصائره وأن يتعلم منه الخير ، وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وآله إنما هو قمة الكمال الإنساني ورمز كل فضيلة وآية كل حسنة وتجلي لكل الخير ، إنه حقاً هدية الرب للبشرية جمعا.
من هنا صارت كل حركاته وسكناته حجة على البشر، لأنها تعبير صريح عن تفاصيل الشريعة الربانية وتبيان واضح لسنن الدين ومرآة صافية للحكمة البالغة وقد اختاره الله جل جلاله قدوة وإسوة للبشرية لما أمتاز به صل الله عليه وآله من سمات وشمائل، إذ قال :”لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا “سورة الأحزاب /21 فبعد 55 يوماً من واقعة الفيل الشهيرة حيث كانت الواقعة إرهاصاً وإيذاناً بانتهاء عصر، وبداية عصر جديد..
فقد بعث الله سبحانه طيراً أبابيل على جيش أبرهة فقتلهم ودمرهم بعد أن تجبروا وحاولوا الاعتداء على بيت الله الحرام، فهاهوالغيب يدخل طرفا رئيسياً في معركة الخير والشر والحق والباطل ويدعم الحق بقوته وهاهو الإرهاص بطلوع فجر جديد لأن الله خلق الناس ليرحمهم لا ليعذبهم وقد أبى أن يستمر المستضعفون والفقراء والبؤساء في وضع كهذا فبعث رسوله خيراً عميماً ورحمة للعالمين.
وعند ولادة سيد الخلق صل الله عليه وآله كانت هناك إرهاصات عديدة أخرى في الأرض فقد غاضت بحيرة ساوة وفاضت بحيرة السماوة وزلزل إيوان كسرى وسقطت منه أربعة عشر شرفة، وخمدت نيران المجوس ولم تخمد قبل ذلك ألف سنة وشهد العالم حوادث أخرى غريبة لم يكن يعهدها من قبل إيذانا بأن الله عز وجل شاء أن ينقذ البشرية فوضعت آمنة ذلك الوليد الذي عمت بركته البشرية على امتداد التاريخ…
لذلك هناك أيام تبقى تتألق في أحشاء التاريخ المظلمة فيما تتلاشى باقي الأيام فسر تألق تلك الأيام التي هي من أيام الله التي لايمكن أن ينطفئ توهجها رغم مضي عشرات القرون وذكرى مولد سيد البشرية ماتزال جديدة طرية تستقطب اهتمام كل مؤمن في كل مكان، فيما تشهد المعمورة وقوع حوادث شتى سرعان ماتمضحل وتتلاشى من ذاكرة التاريخ.
سر بقاء هذه الذكرى وسر تجددها وخلودها هو مالها من علاقة وثيقة واتصال متين بالسنن الإلهية الثابتة ولكون البشرية بحاجة ماسة لتجديدها لما لها من دور في تحقيق الضرورات التي يحياها الإنسان المؤمن في حياته، وهكذا الحال بالنسبة إلى كافة الذكريات الإسلامية الأخرى كذكرى عاشوراء التي تتجدد كل عام وكأنها وقعت في ذلك العام.
إن وجه الدنيا قد تغير وتبدل عما كان عليه بالأمس حيث تغيرت ظواهر وحقائق كثيرة وحدث انقلاب عظيم في مظاهر الحياة المادية فأين ركوب الدواب من التحليق بالطائرات واين الاستنارة بمصابيح الزيت من المصابيح الكهربائية؟…. ولكن الشيء الوحيد الذي لم يطرأ عليه التغيير هو طبيعة البشرية حيث مازالت البشرية تريد إشباع حاجاتها الروحية وظلت بحاجة إلى رحمة إلهية مهداة كما قال النبي صلى الله عليه وآله( إنما أنا رحمة مهداة )وقد أكد القرآن الكريم على هذه الحقيقة قائلا “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” الأنبياء /107.