المدحة النبوية.. و الربيع المحمدي.
إب نيوز ١٧ نوفمبر
بقلم /
عفاف محمد الشريف
إن الكتابة في نبي الأمة محمد بن عبدالله.. -صلاة وسلاما يليقان بمقامه الرفيع ومقام اهله الكرام -لهو عمل تهنأ به النفس، وينشرح له الصدر، ويتفتح معه القلب، ويأخذ بمجامع اللب، وترتاح له الخواطر، وتتسع في رحابه الأبصار والبصائر، كيف لا وهو نادرة من نوادر هذا الزمان،وملتقى الفضائل وماله ثان، كيف لا وهو حامل لواء الدعوة العالمية الشاملة.
من بُعث ليتمم مكارم الأخلاق، وليملأ العدل للآفاق، ما أعذب أن نكتب عن عفة نفسه، وعذوبة حسه، وسمو سلوكه، وعلو إنسانيته، وقداسة دعوته.
في مدح الرسول الأعظم تهافت الشعراء، والبلغاء، والفصحاء، وقد أضحى المديح النبوي فناً شعرياً مستقلاً له أصوله وقواعده وله شعراؤه الذين أوقفوا شعرهم عليه.
المدحة النبوية.. هي قصيدة مدح ترتبط بفن المديح الذي عرف في الشعر القديم، ولاتخرج في نهجها العام عن هذا العرف، ولكنها تنظم مدحاً لرسول الله -صلى الله عليه وعلى آله -فقط فلا يعد مدح غيره من المديح النبوي مهما كانت علاقته بالنبي الكريم وثيقة، وتتضمن المدحة النبوية عدة نقاط اهمها
1- المدح بالقيم التقليدية
كما ذكر البوصيري في تمييز فضائل الرسول الكريم
خلائقه مواهب دون كسب.. وشتان المواهب والكسوب.. وآداب النبوة معجزات ..فكيف ينالها الرجل الأديب؟!
ويقول الشهاب محمود
أنت المُبَوَّءُ من ذؤابة هاشم
شرفاً أناف على الكواكب طولا
بك كرم الله الجدود
وطهر ال آباء إذ ولدوك جيلاً جيلا
ولا حصر لفضائله فقد أخذ الشعراء يغترفون منه كيف شاؤوا، ولانفاذ لمكرماته
2- التعبير عن حبه والتعلق به والشوق إليه
وقال في ذلك السندفاني
مكانك من قلبي وعيني كلاهما ..
مكان السويدا من فؤادي وأقرب ..
وذكرك في نفسي وإن شفها الظما
ألذ من الماء الزلال وأعذب.
3- نظم بعض الأحاديث والأخبار في صفاته ومقامه وأخلاقه
وقال في ذلك الشهاب محمود
والله خصك في الانام بخمسة
لم يعطها بشرٌ سواك رسولا
حل الغنائم في الجهاد ولم تزل
للنار يوم تقربٍ مأكولا
والأرض أجمع مسجد وترابها
طهر يبيح الفرض والتنفيلا
وشفاعة عمت وإرسال إلى
كل الورى طراً وجيلاً جيلا
ونصرت بالرعب الشديد فمن ترد
تغزوه بات بذعره مخبولا.
4- الحديث عن هديه وخصائصه.. ويقول الصرصري في ذلك
فأتاهم من ربه بكتاب
هو للناس رحمة وشفاء
ولقد أحسن البلاغ وأبقى
سنة لاتشوبها الآراء
اما البوصيري فقال في ذلك
لولا النبي محمد وعلومه
لم يُعرفِ التَّحسينُ والتقبيحُ
عقد الألهُ به الأمور فلم يكن
لسواه إمساكٌ ولا تسريحُ
5- الحديث عن سيرته وأهم أحداثها
فعن معجزاته قال الشقراطيسي
ضاءت لمولده الآفاق واتصلت
بشرى الهواتف في الاشراق والطفل
وقال في ذلك البوصيري في بردته عن معجزة القرآن
آيات حق من الرحمن محدثة
قديمة صفة الموصوف بالقدم
دامت لدينا ففاقت كل معجزة
من النبيين إذ جاءت ولم تدُم
ردت بلاغتها دعوى مُعارِضِها
رد الغيور يد الجاني عن الحرم
قرت بها عين قاريها فقلت له
لقد ظفرت بحبل الله فاعتصمِ
إن تنلها خيفة من حر نار لضى
أطفأت نار لظى من وردها الشبم
….
وقد أكثر الشعراء من المناجاة لرسول الله وطلب الشفاعة
كقول عبدالرحيم
البرعي
مبعوث لأكرم أمةٍ
أنت المؤمل عند كل ملمةٍ
فأعطف على عبدالرحيم برحم
فغمام فضلك فيضه مستجم
فبحقه صلوا عليه وسلموا
وقد أشتمل المديح النبوي على معانى أخرى كثيرة مثل الصلاة والسلام عليه، وذكر الآل والصحابة والإشادة بالحديث النبوي الشريف.
وقد أستخدم شعراء المديح النبوي المعاني التقليدية لدى من سبقهم، وقد واجه شعراء هذا العصر صعوبة الابتداع، وفن الابداع ولكنهم لم ييأسوا فكثيراً مااتكؤوا على الشعر القديم فأخذوا منه المعنى والوزن والقافية، كما فعل القرطاجي حيث شطر معلقة امرئ القيس وجعلها ضمن مدحته النبوية
لعينيك قل إن زرت أفضل مرسل
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
وفي طيبة فانزل ولاتغش منزلاً
بسقط اللوى بين الدخول فحومل.
ومثل ذلك فعل ابن الوردي حين مدح النبي بقصيدة ضمن فيها إعجاز قصيدة أبي العلاء المعري وبعض صدورها وهي القصيدة الرائية التي مدح فيها ابو العلاء أحد فضلاء عصره ونقلها ابن وردي في مدح الرسول الاعظم..
يقول مطلع قصيدة المعري
ياساحر البرق أيقظ راقد السحر
لعل بالجزع اعواناً على السهر
يود ان ظلام الليل دام له
وزيد فيه سواد القلب والبصر.
وقال ابن وردي
وقف على الجزع واذكرني لساكنه
لعل بالجزع اعواناً على السهر
إذا تبسم ليلاً قل لمبسمه
ياساهر البرق أيقظ راقد السحر
تشرف الركن إذ قبَّلتَ أسوده
وزيد فيه سواد القلب والبصر.
وقد أخذ شعراء المديح يعارض بعضهم بعضاً ويأخذون معاني بعضهم وخاصة معاني القصائد المشهورة مثل بردة كعب بن زهير التي عارضها البوصيري في قصيدة سماها “ذخر المعاد في وزن بانت سعاد ”
فقال
لم أنتحلها ولم أغصب معانيه
ا
وغير مدحك مغصوب ومنحول
اما الشرف الانصاري فعارض لام
ية كعب بن زهير بقوله
أوهمت نصحاً لو ان النصح مقبول
لا ألهينك إني عنك مشغول
بان التجلد عني والتصبر مذ
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول.
ولن اغفل عن ذكر أحد الشعراء المعاصرين الكبار من لهم باع طويل في مدح النبي وهو أحمد شوقي الذي يعد من افضل من مدح النبي عليه وعلى آله افضل الصلاة والسلام وله قصيدتان مشهورتان (سلو قلبي، ريم على القاع )
وفي عصرنا الحالي بعد ان قامت الثورة الفكرية في اليمن والتي انارت عقولنا بها الثقافة القرآنية أتجه الشعراء للمدحة النبوية بإقبال منقطع النظير بعد ان كان قد غاب حس هذا اللون من القصيد حيث كان قد سيطر الفكر الوهابي على العامة وسادت فكرة ان المولد النبوي بدعة وبالتالي لم تتواجد فرصة للأبداع في هذا الجانب، واليوم يتهافت الشعراء ويتنافسون في حب محمد وتجود قرائحهم بما يليق بمقام سيد الخلق وقد برز في طليعة شعراء عصرنا الشاعر الفذ معاذ الجنيد وبرع في المدحة النوبية الفصيحة وأنتج قصيدة مجلجلة بعنوان “لبيك يا رسول الله ” ونالت من الأنفس مانالت لحلاوة وعذوبة منطقها وسلاستها وجمال معانيها فأستحوذت على ملكات النفوس ومثله ابدع الكثير من شعراء هذا العصر في المدحة النبوية وختاماً اذكر لكم ثلاث قصائد أنتجهما شاعرين وشاعرة لهذا العام محتفين بالربيع المحمدي، والشعراء كثر وفي عالمهم طارت قصائدهم للأجواء من جودتها،ويستحقون الذكر والإشادة.
ومما أخترته لكم
رملٌ محمّدي
في ربيع حفّنا الله بطه
وإليها أذنُ الحق تناهى
قالت الجنُّ سمعنا خبراً
وكتاباً نتلقاه بطه
مولدٌ أكرم به من مولد
موعدٌ من ربه فوق رباها
أشرق البدرُ عليها بشراً
كان في الانجيل عن عيسى رواها
آخر الرسل وجوداً أولٌ
قبل خلق الخلق أولاها سناها
آدمٌ لما غوى لاذ به
ثم تاب الله بالمذخور جاها
ياشفيعاً عمّنا منهجه
ياولياً قطبها وهو لواها
وهل الشعر يوافي حقه
وهل النثر يوازي مرتجاها
كلما رمنا بلاغاً شافعاً
قالت الآيات هذا مبتداها
وعلى أعقابنا نقفوا الخطى
علنا أن نهتدي قلباً وفاها
يوم جاء الفيل جاء المصطفى
ذاك تاريخ انبلاجٍ ياأخاها
يوم أن حلّ بكسرى خطرٌ
وانطفت نار مجوس من عماها
والكرامات توالت بغتةً
والزعامات تلاقي منتهاها
وإذا بالنور في الكون انجلى
باعثاً إشعاعه فيما وراها
إنه الله الذي صوّره
واصطفى ختم رسالات تلاها
سبحوا والتمسوا أنواره
تهتدوا ولتقرأوا كيف دحاها
لم يكن طه لصنعا وحدها
أو لنجد.. لم يكن إلاه طه
عالمي الفكر يهدي عالماً
من بني الاجناس تلقى مبتغاها
أسّسَ البنيانَ مجدا شامخاً
راية الاسلام تطوي ماسواها
يوم ناجى الله طه لغدٍ
باهلت نجرانُ طه فحماها
دفعت جزيتها معلنةً
دولة الاسلام أصلاً وكفاها
…
محمد عبدالقدوس الوزير
16/10/2019م
والتالية
مواكب النور زفّت للملا بشرى.
و استبشر الكون في ميلاد هادينا.
و املاك ربي تطوف الكعبة الغرّا.
تستقبل المصطفى خير النبيينا.
و استفتح الوحي من (نون القلم) و(اقرا).
معالم الهدي لاولّنا و تالينا.
يا سيد الخلق فالاولى و فالاخرى.
يا غاية آمالنا و اسمى أمانينا.
يا مصطفى يا إمام الأنبيا طُرّا.
هذا ربيعك تجلّى في روابينا.
ذكراك يا سيدي ما مثلها ذكرى.
و عيد أعياد حاضرنا و ماضينا.
يا ساري النور في (سبحان من أسرى).
يا وهج الاقمار في داجي ليالينا.
يا بلسم الروح فالسرّا و فالضرّا.
يااجمل حروف الموّدة في قوافينا.
زاد البلا يا رسول الله و استشرى.
و اوجاعنا و المآسي سارعت فينا.
تحالف الجور يشعل حربه الكبرى.
و الشر يزحف علينا بالملايينا.
لأن شعب اليمن يبرا و يتبرّى.
من حلف صهيون و امريكا الملاعينا.
لأن شعب اليمن فالسر و الجهرا.
يرفع بذكرك شعاره و العناوينا.
باسم الوصي و الحسن و حسين و الزهرا.
أهل الشرف و السيادة ذي تولينا.
صلى عليك الفضا و البر و البحرا.
و احنا على ظلك الممدود صلينا.
صلى عليك الرصاص الحي فالمجرى.
صلى حنين المدافع في مغازينا.
صلى عليك الأدب و الشعر و النثرا.
و كل معنى تجلى من معانينا.
حان اللقا في رحاب القبة الخضرا.
لبيك يا سيدي جينا و لبينا.
الشاعر نشوان الغولي .
والأخيرة…
أيا طه أيا نوراً تسرمد
بأعماق القلوب النازفاتِ
فلا نهجٌ لهُ بالحربِ يوأد
ولا أنكاهُ حد المُرهفاتِ
سَتَرفَعُ راية الحقِ مُحمد
وأنقاض المنازل والرُفاتِ
ونهتِفُ إنَّنا نَصرٌ تخلَّد
بطه في رُحا ماضٍ وآتِ
#أمةالخالق الحوثي.
وأخيراً ان أي كتابة أو مدح في النبي المرسل رحمة للعالمين والموصوف بأنه على خلق عظيم، لن يفيه حقه ولن يعطيعه قدره، مهما كتب الكاتبون ومدح المادحون.
والعاقبة للمتقين.. والحمد، لله رب العالمين.. وصلى الله وسلم على محمد وآل محمد