الوكالةُ الأمريكيةُ (USAID) بين العمل التنموي والاستخباراتي .
إب نيوز ٢٣ نوفمبر
د. عبدالملك عيسى
من أكبرِ الوكالات الدولية التي تعملُ في مجال التنمية الدولية، هي وكالة يوسيدا يغطّي نشاطُها كُـلَّ العالم تقريباً، ولكنها في حقيقةِ الأمر وكالةٌ استخباراتيةٌ أكثرُ من كونها وكالةً تنمويةً، وتستخدمها أمريكا كذراعٍ ناعمة وطويلة لعمل الانقلابات واختراق المجتمعات، فهي تستخدمُ ثلاثةَ أشكال لاختراق منظّمات المجتمع المحلي في بلدان العالم وتوظيفها ضدَّ بلدانِها:
الشكل الأول: التجنيد الاستخباراتي لعددٍ من الرموز السياسية للبلد المستهدَفِ، وتمويلهم لاصطناع واجهات منظّمات مجتمع مدني ترفع شعاراتِ التغيير السياسي والدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان وحماية الأقليات الدينية والعرقية، وتمكين المرأة، والشفافية.. إلخ، بوحيٍ من الطروحات السياسية الأمريكية والأوروبية الغربية، والتسويق لها.
الشكل الثاني: دعم وتمويل منظّمات قائمة بالفعل، والتأثير عليها لاتّخاذ مواقف تخدم السياسات الأمريكية وتتماشى معها.
الشكل الثالث: دعم معنويّ للمنظّمات التي ترفع شعاراتِ حقوق الإنسان في بلدان العالم، عن طريق إقامة مؤتمرات دولية وإشراكها فيها، وتوظيف القائمين على تلك المنظّمات كمستشارين وأكاديميين في مؤسّسات أمريكية ودولية؛ بهدَفِ إعطائهم مواقع مؤثّرة في الرأي العام ببلدانهم، وتوجيههم بشكلٍ غير مباشر في خدمةِ المصالح الأمريكية، بتحويلهم إلى طابورٍ خامسٍ ضدَّ مجتمعاتهم وأوطانهم، باستغلال قناعاتهم الشخصية الممزوجة بمصالحهم الخَاصَّة.
والذي لا يعرفه الكثيرُ أنَّ هذه الوكالةَ ترتبطُ بشكلٍ مباشرٍ بوكالة المخابرات الأمريكية (سي آي أيه) التي عمدت إلى اختراع جمعيات ومنظّمات ما سُمِّيَ بحقوق الإنسان الدولية؛ من أجل مهامٍّ أربع:
– المهمة الأولى: تأطير النخب المتعلّمة في سياق مسيطر عليه قادرة على تلقّي التوجيه الواحد.
– المهمة الثانية: فتح المجال للنخب الفكرية بأن تتفاعلَ فكرياً مع بعضها؛ خدمةً للهدف الذي يزرعونه برأسها وهو توجيهُ السخط ضدَّ المقاومين للمشروع الأمريكي وزرع اليأس في أوساط الشعوب.
– المهمة الثالثة: تمكين النخب من التأثير في الرأي العام.
– المهمة الرابعة: جعل النخب قادرةً على إعطاء صبغة للمجتمع الذي تكونُ فيه، فتكون بمثابة الشاشة التي يتحَرّك عليها المجتمعُ؛ كي يعرفوا بأي اتّجاه سيذهب المجتمعُ.
وتقوم هذه الوكالةُ بتوجيه وتجنيد القدرات والكفاءات الشابّة في هذه المجتمعات على المستوى العالمي عبر خمسة أُطُر:
– الإطار السياسي من خلال التجنيد السياسي.
– الإطار العسكري من خلال الإمساك بالقيادات العسكرية.
– الإطار الاقتصادي عبر التحكّم بمفاصل الاقتصاد.
– الإطار الاجتماعي من خلال إنشاء ما يُسمّى بـ”جمعيات الرعاية”.
– إطار الفكر الأكاديمي لاستقطاب الشخصيات المؤثرة، وهذا ما نجحَ في أكثر من بلد، بدليل أنَّ المسؤولين والنخب السياسية يؤتى بهم من هذه الجمعيات.
ولشدة خطورة هذه الوكالة قامت بعضُ دولِ حلف ALBA (فنزويلا وكوبا وإكوادور وبوليفيا ونيكاراغوا وسانت فينسنت ولاس غراناديناس ودومانيكا وأنيغوا وباربودا) في صيف عام 2012 بطردِ بعثات USAID من دولها.
وكانت روسيا أعلنت في سبتمبر ٢٠١٢ منعَ أنشطة الوكالة في كافة الأراضي الروسية؛ لاتّهامها بالتدخّل في الحياة السياسية الروسية.
وفي الأول من أيار 2013، أعلن رئيسُ بوليفيا إيفو موراليس طردَ الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية “USAID” من بلاده، متهماً إياها بالتآمر والتدخّل في الشؤون البوليفية الداخلية.
أخطرُ ما في هذه الوكالة التجسُّسية أنها تعملُ في الظلِّ وبالوكالة، فلا يظهر تأثيرُها إلى في فترات لاحقة؛ كونها تقوم بتجزئة مهامها على عددٍ كبيرٍ جِـدًّا من المنظّمات لتحقيق هدفٍ واحدٍ، فلا يظهر سلوكُها التدميريُّ إلى بعد تجميع هذه الأجزاء وقراءتِها بشكلٍ كاملٍ؛ لذا من المهمِّ الحرص الشديد من أمثال هذه المنظّمات ومراقبة أنشطتها عن قرب وقرب شديد، وإلا ستكونُ هي الحاكمَ الفعليَّ لأيِّ بلدٍ تنشَطُ فيه، ومؤكّـدٌ أنَّ تأثيرَها سيكونُ تدميرياً بشدّة.