الأسرى المحرّرون.. أرواحهم أبيَّة وملامحهم حيَدريَّة .
هنا في وطني وعلى أرضي التي شهد العالمُ أنها مقبرةُ الغزاة أتحدثُ بعزةٍ وبفخر عن أناسٍ غابوا حيناً من الزمن، وَعن أنظارنا وخلف أسوار مجتمعهم وأسرهم تواروا ليس لمغنمٍ أَو لمكسب يحصلون عليه سوى سعيهم وجهادهم لانتزاع الحُرية لنحيا بعيداً عن التبعية وأن نجعل من أفكارنا وتوجّـهاتنا ديناً وهُــوِيَّة،
أتحدثُ هنا بكل شرفٍ عن الأسرى المحرّرين الذين وُجدوا في مرحلة استثنائية فريدة اختزلت في ظاهرها وباطنها توجّـهاتهم الجهادية وَمواقفهم البطولية ومعاملاتهم الإنسانية،
ليس لهم من هدفٍ إلا لدفع ظلم الدول العدوانية ولتنعم الأُمةُ بالخير في ظل مسيرةٌ قرآنية روحانية.
أناسٌ انطلقوا في اتّجاهات متعددة وعلى مسافاتٍ مختلفة بحثاً عن السيادة، وأن يكونَ لنا الدين قيادة واستقلال القرار مبدأً وغاية.
ذهبوا بعيداً في محيط هذا الوطن الجريح الذي شقَّ صف أمته وفلّ وحدته واعتدى على شعبه عملاء الطغيان والاستكبار ونشروا فيه روائح الفرقة والكراهية والعدوان بعد أن كانت أرض اليمن تحتضن الأطياف المجتمعية من جميع الألوان، والمكونات السياسيّة المتعددة التي لا تحيد عن الوطنية والقيمية.
وقد رسم الأعداء بعدائهم وفجورهم مستقبلهم بالسُمعةٍ السيئةٍ وجنوا على أنفسهم بانسلاخهم عن دينهم وَهُــوِيَّتهم ووطنيتهم التي لا تستحق من أبنائها إلا أن تُصان بالعزة والكرامة وتحاط بالعناية ويُدافع عنها بعدم القبول بانتهاكها أَو فرض الوصاية التي يخطط لها أرباب الشر والغواية..
أولئك الأسرى العائدون الذين كانوا في غيابة جب الأعداء المنافقين الخائنين العابثين فكان الله لهم خيرٌ حافظاً وأرحم الراحمين.
الأسرى المجاهدون الأحرار انطلقوا في ميادين القتال وتسلقوا قمم الجبال يصعدونها بالسلالم والحبال ويخوضون بطون الأودية والسهول والبحار لا يخشون الأعداء والأذيال، معتصمين بالله ورسوله مؤمنين بعدالة القضية فلا يخشون إن أنشبت أظفارها المنية أَو واجههم عناءٌ أَو بلية، وقد علموا يقيناً وأدركوا أن في خروجهم وجهادهم طاعةٌ لله وولاءٌ لخير البرية، لا يخافون في الله لومة لائم، وقد تجاوزوا بكرمهم وسخاءهم عطاء حاتم، وكيف لا يكونون كذلك وقد بذلوا أعضائهم وجوارحهم وضحوا بأرواحهم وكلٌ منا شاهدٌ وعالم،
وهل بذل المال والسخاء في الدعوة للولائم أغلى من التضحية بالروح والجوارح في مواطن الملاحم؟، وهل كانت الضيافة وإكرام الوفادة يوماً أعظم شأناً ممن تجسدت فيهم سمات التضحية وَالإيثار والتراحم؟.
الأسرى المفرج عنهم عادوا وهم اليوم الأقوى إقداماً وعزيمةً وهم اليوم الأمضى بسالةً وشكيمة وقد صاروا لأرضنا وأمتنا أسواراً منيعة، وهم الأسمى مكانةً والأقوى حُجةً وهم الأشد بأساً وتنكيلاً على من يخشون المنية، تحدوا وجابهوا كُـلّ مخاتلٍ وراهنوا على الثأر للمظلوم من كُـلّ سفاحٍ وقاتل، وفي ساحات الوغى قاتلوا وانتصروا على كُـلّ مرجفٍ مجامل
فكانوا من الصابرين المتوكلين المعتمدين على الله المنتصرين على الجحافل، وقهروا الفجار والمستكبرين ومن في حلفهم يقاتل، يواجهون الغزاة بالبندقية ويردّون كيد الأعداء في نحورهم بالمشروع وبالمنهجية ويسطرون ملاحم البطولة والانتصار بعدالة القضية.
عادوا شامخين شمّ الأنوف ملامحُهم حيدرية، وعادت معهم الروح الوثّابة الأبية ليثبتوا للعالم أن منهج اليمانيين هو السير على خطىً محمدية علوية، وأنّ مشروعهم لن يكون إلا معادنٌ أورثن كُـلّ مزيةٍ وحمية.