الواقع السياسي العربي .
إب نيوز ٦ ديسمبر
عبدالرحمن مراد
في الواقع العربي اليوم تحول كبير، والذين يديرون العملية السياسية على المستوى الدولي يضعون حركة التحول العربي نصب أعينهم وقد سبق لهم التمهيد لهذا التحول من خلال تشويه البنية الفكرية والعقائدية العربية، وظل الاشتغال على التوجه لسنوات طوال .
والمعادلة الأصعب هي حين يصبح التفاعل مع حركة المستوى الحضاري بوعي المؤامرة لا بوعي التأثير في مسار السياسة الدولية حتى يكون العرب قوة لها تقديرها ولها حسابات في الوعي الجمعي الدولي.
فالصراع تجاوز البعد الاقتصادي ليكون مرتكزه البعد الثقافي والحضاري، فقضية ايران مع الغرب قضية ثقافية وحضارية، وصراعها صراع تفوق حضاري مع اسرائيل , فالغرب يرفض شكلا أن تكون ايران دولة نووية ولكنه يغض الطرف عن نووية اسرائيل , ولذلك فالصراع في اليمن لا يعني ايران ولكنه يشكل ورقة ضاغطة لحسابات سياسية لها , وكذلك الوضع في سوريا فهو يشكل حالة توازن سياسي لإيران مع اسرائيل , وبالمثل فالعراق يشكل حالة توازن للغرب واسرائيل مع ايران واليمن تشكل حالة توازن ثانوية لإيران مع السعودية التي تقدم نفسها كحليف للغرب ويشتغل على البعد الثقافي لاستغلال أموال السعودية في إدارة الصراع .
مؤشرات التحول الثقافي في السعودية بدأت منذ مطلع العام 2018م وربما بدأت بعد وصول ابن سلمان الى ولاية العهد وهذا التحول يشكل الضامن الحقيقي لاستمرار تدفق المصالح بين الغرب والسعودية ويحد من ظواهر التطرف مع تماهي مشائخ الوهابية في مشروع المرحلة.
وأمام تلك الصورة يتطلب الواقع وعيا حضاريا وثقافيا وتفاعلا مؤثرا في مسار المرحلة وهي مرحلة خطرة تشهد تحولا كبيرا وعميقا ولا بد من مقارعتها بالوعي المؤثر في المسار لا بوعي التدمير والحرب والخراب الذي يفترض بنا الوقوف أمامه بقدر من المراجعة والتقييم، فالعصر الذي هجم علينا قبل الاستعداد له علينا أن نستعد له بالتحكم بمساراته والتأثير في نسقه العام، فالقوة التي تختزنها القيم الحضارية والاخلاقية هي أمضى من غيرها في عالم لم يعد مستقرا حضاريا وسريع التحول.
لقد شكل سقوط بغداد عام 2003م نقطة تحول جديدة في الواقع العربي , فالغرب الذي يتقن تحديد المسارات ويعرف قانون التاريخ كان مدركا أن العرب لا يمكن السيطرة عليهم إلا من خلال البعد التاريخي والتحكم في مساراته والسيطرة على مقاليد صناعته ولذلك عمدوا إلى القضاء على المشروع القومي والمشروع التحرري والمشروع العقائدي والمشروع الثقافي فتاه العرب في حركة فوضى لا طائل من ورائها بدأت هذه الحركة عام 2011م وقد سمعنا يومها كلاما على لسان قوى اليسار اليمني يقول بسقوط الايديولوجيا فكان ذلك نذير شؤم وانهيار، وكنت أكثب محذرا من هذا المآل في عدد من الصحف لكن كان الصراخ أعلى من ندائنا فلم يأبه أحد لذلك ولعل كتابي ” الربيع العربي ..دم وعواصف ” الصادر عام 2014م قد تضمن مثل ذلك النداء .
لا يظن ظان أن حركة الفوضى التي تجتاح بعض العواصم اليوم مثل بيروت والخرطوم وبغداد والجزائر كانت بمعزل عن مشروع انهيار فكرة الدولة أملا في الوصول الى مرحلة ما قبل الدولة وهو مشروع تشتغل عليه مراكز الدراسات الاسرائيلية في العواصم العالمية كواشنطن ولندن وغيرهما وهو يتحرك اليوم في الواقع العربي أملا منه في بلوغ غايته وقد يمكرون ولكن الله يرد كيدهم في نحورهم، فمازال الوعي ينمو في وجدان الأمة وقد يفيقون يوما ما ويصلون الى مراتب الصناعة والتأثير ويتجاوزون مرحلة الضعف القاتل التي وصلوا اليها بعد سقوط بغداد .
ولعل القارئ يستغرب قولنا بالربط بين سقوط بغداد وحركة الفوضى واللا انتظام التي تحدث اليوم في جل العواصم العربية وهو قد يغفل عن قانون التاريخ، فالتاريخ وفق قانونه يتكرر مرتين، مرة على شكل مأساة وقد حدثت في سقوط بغداد عام 1258م، ومرة على شكل ملهاة، وهو ما نراه اليوم، فالتاريخ يلهو بمصائر أمة بأجمعها اليوم، ولذلك فالوعي بحركته وتعديل مساره هو خيار لا بد من حدوثه في الواقع ولن يتحقق ذلك إلا من خلال البعد الثقافي وتشجيع حركة النقد وفتح أبواب الحريات والنقاشات والكتابات , فكثرة الكتابات تعديل مستمر للتصورات النمطية التي تحكم مصائر العرب منذ الحقب الأولى لبدء حركة الدولة الاسلامية .
في تصورات المجتمع الغربي أن العرب أمة متوحشة مهددة للحضارة الانسانية ولا يمكنها أن تستقر بل قد تشكل تهديدا مستمرا للحضارة الانسانية ما لم يتدخل الغرب للسيطرة على مقدراتهم وتهذيب مجتمعاتهم، ولذلك قد تجد نفورا في المجتمع الغربي نتيجة ذلك التصور والأمر لا يحتاج إلا إلى نظرة بسيطة الى الشبكة العنكبوتية ليكتشف المرء حجم ومدى التصورات النمطية عن الشخصية العربية في وجدان المجتمع الغربي .
وأمام مثل ذلك التصور الذهني يفترض بنا تنمية الاشتغال الثقافي والاشتغال على الفنون الحديثة بكل تنوعها حتى تصل رسالتنا الى المجتمع الانساني لبيان موقفنا الثقافي والاخلاقي من جل قضايا الانسانية، وفي تاريخنا نماذج انسانية تفوق ما وصل اليه الانسان المعاصر لكننا قوم غافلون لا نهتم إلا بباب الطهارة والنجاسة وبباب النكاح وتركنا كل الاشارات الانسانية في بعدها القيمي والأخلاقي وراء ظهورنا …فهل آن لنا أن نفيق ؟