من قصص الخالدين .

 

إب نيوز ٢٠ ديسمبر
لبيك يا شهيد

بقلم/ الدكتورة / أسماء الشهاري

*الشهداء.. هم من تُسبِّح الرمال تحت أقدامهم، و تنحني الجبال لشموخ هاماتهم و تداعبهم الشمس بخيوطها الذهبية لتستمد ضيائها من وهّج أنوارهم..

عندما نتحدث عنهم فإننا نكتب بأحرف من نور و مداد برائحة العطر الذي يستمد شذاه من طيب ذكراهم و ممشاهم، نعم إنهم أولئك الشامخون الأباة.

إنَّ محور حديثنا اليوم هو ذلك المجاهد العظيم الذي لم توجد جبهة إلا و وطأتها قدماه الحافية الطاهرة، فكان على الأعداء والطغاة كأنَّهُ ريحٌ مرسله يسلطها الله ببأسه الشديد فتقتلعهم وتجتثهم من الأرض اجتثاثاً.

ستجده هناك في الجوف وفي مأرب وباب المندب وفي كل مكان يستوجب عليه واجبه الديني والوطني أن يكون فيه، حامي الحِمى و ليث العرين، وكأنّما هو أرواح في جسد مؤمن عظيم بِهمته وعزيمته واندفاعه و حماسه الجهادي والإيماني الخارق للعادة و منقطع النظير.

وستراه ليس آخيراً في نهم مقاتلاً شرساً و مجاهداً مقداماً، يقتحم المواقع ويعتلي الجبال وتفرّ أمامه العشرات وتسقط تحت يدي بأسه المواقع وتتبعثر المزنجرات، فلا تزال روحه هناك تقاتل ولا تزال دماءه من تحت الأرض براكين تتفجّرّ، فلا يزال هنالك الليث يزمجر ويصدح بصوته فاتحاً “الله أكبر”..

نعم هذا هو الشهيد البطل: عبدالإله عبدالملك الغرباني، وكل الكلام في حقه و أمثاله من العظماء قليل.

تُرى هل هي الجبال والقفار وحدها من تحن إليك أم ماذا تركت في قلوب أحباءك من الأسى بفراقك يا أيها الفارس المقدام!
ومهما تكن مرارة الفقد لكنها ممزوجة بطعم العزة والإكبار للخالدين أمثالك.

نعم إنَّ الرائعين والعظماء يتركون فراغاً كبيراً في أرواح وقلوب من عشقوهم وعاشوا معهم، فتلك والدتك لا تزال إلى اليوم تناجي صورتك وأنت عريس وهي تتذكر كل مواقفك وقصصك والابتسامة ترتسم على محيّاها والدمعة تترقرق في مقلتيها.. و تقول لو لم تكن بتلك الدرجة من الطاعة لها ربما لما شعرت بهذا الألم الذي يعتصر قلبها لكنها تستبشر بأنها قدمت بين يدي الله ورسوله وفداءً للوطن الغالي هذا القربان.

كذلك هنَّ أخواتك فقد كنت لهن نعم الأخ العزيز والغالي فهكذا العظماء عظماء بأخلاقهم وبسلوكهم وفي كل نواحي حياتهم.

لكن لماذا والدتك لم تتخلى عن صورتك و أنت عريس من بين يديها ولا من أمام ناظريها!

لأنها تعرف جيداً أنك لم تتهنَ ولم تسعد بعد في زواجك، فعلى الرغم من جهادك العظيم قبل عرسك إلا أن عشقك لساحات الكرامة والروحية العظيمة التي بين جنبيك لم تجعلك تظل مع عروسك طويلاً كما قد يفعل غيرك من الناس وكأنَّ الجهاد و الوطن مسئوليتك وحدك وكأنَّ البلد حمل على عاتقك دون سواك ومن غير أن تلتفت للمتخاذلين من حولك.

ولأنها أيضاً ظلت تنتظر طويلاً علّها تحظى بأن تُلقي عليك نظرة الوداع الأخيرة، كما هو حال زوجتك وأخواتك و أحباءك.. لكن.. كما كنت دائماً تقول لزوجتك :

“سيأتي اليوم الذي أرجع فيه إليك شهيدا و قد يعود جسدي وقد لا يتبقى منه شيء ليعود”،،،،

فهكذا كانت أمنيتك التي عشقتها وكانت تسري في دماءك وتتنفسها مع كل نسمة هواء، فبصدق ولاءك لله والوطن نلت ما تمنيت فلتخلد هنيئاً منعما في علياءك.

فقد كانت نعم الزوجة العظيمة المؤمنة المحتسبة والمجاهدة في كل الميادين بكل ما تستطيع والسائرة على درب جهادك فها هي تقول في كل يوم بعد أن زفت روحك الطاهرة إلى معشوقتها:

“هنيئا لك ما عشقته و نلته هنيئا لك الشهادة يا سيدي و تاج راسي.. ”

فهي تعرف أنها لن تفيك بحقك من الكلمات مهما قالت وتحدثت. ولكنها حاولت أن تتكلم عن أبرز ما وجدته فيك من معانٍ سامية و أخلاق عظيمة وهي تشعر بكل الفخر و الإعتزاز كونها كانت زوجة رجل بمثل أخلاقك وعظمتك.

وتقول..

بسم الله الرحمن الرحيم

شعوري هو شعور فخر وعزة بأنني كنت زوجة أحد الشهداء العظماء، شعور فخر ممزوج بحرقة وألم الفراق، حيث وأن الحياة ولو للحظات مع العظماء تساوي آلاف السنين من الحياة مع سائر الناس فهم ملائكة الأرض.

من هو الشهيد:-

فلنعرف أن الشهادة لا ينالها سوى من يستحقها فقد كان أبرز ما كان يتصف به الشهيد أنه كان:

*لا يمكن ليومه ان يخلو من قراءة القرآن والاستفراد به أو سماعه..

* كثير التسبيح والاستغفار..

كان قليل الكلام قبل المغرب فقد كان التسبيح بـ(سبحان الله و الحمد لله ولا إله إلا الله و الله أكبر و لا حول ولا قوة إلا بالله..)يشغل لسانه وقلبه.

*كان أكثر أخوته طاعة وأحبهم إلى قلب أمه وأخواته..

*كان كريما كثير الإنفاق كثير التصدق فلا يرد يد من سأله خائبة.

*كان صادقاً لا يخلف وعده ويتعامل بتواضع مع الجميع وبالأخص مع أخوانه المجاهدين.

*كان متفانٍ في عمله الجهادي مندفعاً فيه بكل جوارحه واحساسه وكان ممن وصفهم الله بقوله<< من المؤمنين رجالُ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً>>

وها أنا أقول لك يا زوجي الغالي (لبيك يا شهيد،لبيك يا شهيد، لبيك يا عبد الإله) و أعاهدك أني على دربك ماضية إلى ان يأخذ الله أمانته.

You might also like