مركز استخبارات أمريكي شهير يكشف سيناريو غير متوقع لإنهاء الحرب في اليمن وما الذي ستقوم به السعودية قريباً “تفاصيل”
بعد ما يقرب من نصف عقد من الانخراط في الصراع في اليمن، يبدو أن المملكة العربية السعودية بدأت في تغيير مسارها. ولم تعد المملكة تتحدث عن الحاجة لحماية نفسها اقتصاديا وأمنيا عبر صراع لا يمكن للرياض أن تأمل فعليا في الفوز به عسكرياً. ومن خلال تعديل استراتيجيتها، تدرك الرياض الآن أنه سيتعين عليها السماح للحوثيين بحوز موقع دائم في مستقبل اليمن السياسي، حتى لو تم حل الصراع بشكل غير الذي كانت الرياض تأمل فيه، وحتى لو تسبب ذلك في فتح الباب أمام تأثير إيراني شبه دائم في البلاد. لقد فشل التدخل السعودي في منح المملكة السلام الذي تاقت إليه على جبهتها الجنوبية الغربية، ويبدو أن المملكة صارت تدرك ذلك.
مواجهةُ الحقائق
وللوهلة الأولى، قد يبدو فك الارتباط التدريجي للمملكة مع اليمن بديهيا. وأصبح الحوثيون بعد كل شيء أقرب لإيران، وتلقوا كميات متزايدة من المساعدات العسكرية والسياسية من طهران في الأعوام الأخيرة. والأكثر من ذلك، شكلت الجماعة المتمردة تهديدا صاروخيا قويا للمملكة على مدار النزاع. لكن العمل بشكل أكثر واقعية مع الحوثيين لتقليل التداعيات الناجمة عن الصراع في اليمن من شأنه أن يسمح للرياض بتحويل تركيزها إلى التهديد القادم من إيران مباشرة، وهو تهديد أكثر خطورة في الوقت الحالي. ومن الواضح أن هجمات 14 سبتمبر/أيلول على منشآت نفط “بقيق” و”خريص” في السعودية قد أرهبت الرياض بشكل واضح، حيث أثبتت قدرة طهران واستعدادها للهجوم المباشر على أهم قطاع اقتصادي في المملكة. وعلى الرغم من أن الحوثيين زعموا مسؤوليتهم عن هجمات 14 سبتمبر/أيلول، تعتقد المخابرات السعودية والأمريكية أن إيران هي الجاني الفعلي. ويستمر تورط المملكة في اليمن بعد كل شيء في استنزاف مواردها العسكرية والاقتصادية، بخلاف تسببه في الإضرار بالروح المعنوية للجنود السعوديين، وجميعها مقومات تحتاج إليها المملكة لحشد المزيد من القوة في أي صراع مع إيران.
في الوقت نفسه، ترغب السعودية في خفض التكاليف المادية والدبلوماسية العالية التي تتحملها في اليمن. وفي العام المقبل، ستحرص الرياض على تعزيز صورة إيجابية للمملكة على نطاق عالمي، وجذب الاستثمارات التي تشتد الحاجة إليها لإصلاحاتها الاقتصادية، وهو أمر لا تستطيع فعله إذا أثارت المزيد من الغضب الدولي عن طريق مفاقمة الكارثة الإنسانية في اليمن عبر حملة القصف. علاوة على ذلك، ونظرا لأن السعودية تريد تعزيز قدراتها الدفاعية قدر الإمكان، فإنها تريد ثني القوى الغربية عن وقف مبيعات الأسلحة لها بسبب الصراع في اليمن.
ولتحقيق هذه الغاية، تنحرف الرياض ببطء عن محاولتها المستمرة منذ 4 أعوام لإزاحة الحوثيين. وفي أواخر نوفمبر/تشرين الثاني، أعادت السعودية 128 أسيرا حوثيا إلى وطنهم، عبر لجنة الصليب الأحمر الدولية. وبعد عدة أعوام من الإغلاق لمطار صنعاء، أعلنت الرياض هذا الشهر أنها ستسمح بفتح المنشأة حتى يتمكن اليمنيون المرضى والجرحى من السفر إلى الخارج لتلقي العلاج الطبي. وعسكريا، قام التحالف الذي تقوده السعودية الشهر الماضب بتنفيذ أقل عدد من الهجمات الجوية على الأصول الحوثية خلال 4 أعوام، حيث نفذ 39 غارة فقط، مقارنة بمتوسط شهري بلغ 370 غارة منذ مارس/آذار 2015. علاوة على ذلك، لم يقم التحالف، الذي تعرض لهزات في الأشهر الأخيرة بعد قرار من الإمارات والسودان سحب قواتهما، بأي هجوم بري كبير منذ عدة أشهر.
وبالإضافة إلى علامات التغيير هذه، اختارت السعودية أن تكون أكثر علنية من أي وقت مضى حول اتصالاتها ودبلوماسيتها مع الحوثيين، مع إعلان قيام الأمير “خالد بن سلمان”، شقيق ولي العهد “محمد بن سلمان”، ونائب وزير الدفاع، بعقد عدد من الاجتماعات رفيعة المستوى مع المتمردين. وفي الوقت نفسه، ناقش القادة والمسؤولون السعوديون البارزون، بمن فيهم الملك “سلمان” ووزير الدولة للشؤون الخارجية “عادل الجبير”، آفاق السلام في اليمن، في حين أبدت الأمم المتحدة تفاؤلها الحذر من أن الجمود في الصراع يشهد بعض التغيير.
وعلى الجانب الآخر، أظهر الحوثيون أيضا انفتاحا على الحوار. وفي سبتمبر/أيلول، عرضت المجموعة مباشرة وقف إطلاق النار و”المصالحة الوطنية الشاملة”. وردا على ذلك، قال “خالد بن سلمان” إن المملكة تدرس بجدية الاقتراح. ويبدو أن الولايات المتحدة أيضا تعدل تصوراتها عن الحوثيين، حيث أشار بيان أصدرته وزارة الخارجية مؤخرا إلى أن البيت الأبيض بدأ في اعتبار الحوثيين جهة فاعلة في حد ذاتها، بدلا من اعتبارهم قوة بالوكالة تقوم فقط بالتحرك وفق تعليمات إيران. وفي الحقيقة، يعد هذا الموقف المتغير مثيرا للسخرية إلى حد ما، حيث أصبح الحوثيون اليوم معتمدين أكثر من أي وقت مضى على إيران بسبب الحرب، على عكس الأهداف الأولية المعلنة للسعودية وواشنطن قبل بداية الصراع.
البراغماتية لا تضمن النجاح
ومع ذلك، لا يعني مجرد اختيار الرياض اتباع نهج براغماتي في اليمن أنها ستنجح في علاج مخاوفها الأمنية إو إنهاء الصراع المكلف الذي ورطت نفسها فيه، خاصة وأن هذا الموقف من غير المحتمل أن ينتج عنه حل سياسي طويل الأجل يرضي المملكة أو أقرب حلفائها اليمنيين. ومن المرجح أن السعودية ستراهن على أن تقنع العلاقة البراغماتية مع الحوثيين المجموعة بتبني موقف أكثر صداقة مع الرياض، أو دفعها للنأي بنفسها عن طهران إلى حد ما. وسوف يتطلب ذلك من الرياض تأمين دعم الأطراف الأخرى في اليمن، وخاصة حكومة الرئيس “عبد ربه منصور هادي” المعترف بها دوليا، لحكومة يشارك فيها الحوثيون. ويعد هذا النهج مقامرة، لأن الرياض ستهز الطيف السياسي اليمني عبر الاعتراف علنا بعدم قدرتها على الفوز بالحرب. وحتى إن حدث ذلك، فإن السلام في اليمن سوف يظل غير مضمون، حيث تبقى الاحتكاكات بين الحوثيين وحكومة “هادي”، وهي الخلافات التي كانت موجودة موجودة قبل فترة طويلة من تدخل السعوديين في اليمن، أمرا لا مفر منه في المستقبل.
وبطبيعة الحال، من غير المرجح أن تقف إيران مكتوفة الأيدي في حين تسعى المملكة جاهدة لتقويض أحد حلفائها الإقليميين. ومن ناحيتها، سوف تحاول طهران تكثيف مشاركتها في اليمن، من أجل إجبار السعودية على الحفاظ على مستوى ما من الانشغال في الصراع، وإبقاء الأصول العسكرية السعودية مركزة على الجهة الجنوبية الغربية.
وفي النهاية، قد تسير جهود السعودية لإغراء الحوثيين في أحد طريقين. فمن ناحية، قد يسير الأمر في صالح إيران مباشرة، لأن الحوثيين سيصبحون مكونا قويا وشرعيا في المشهد السياسي اليمني، الذي سيمكن لطهران التأثير فيه للأبد عبر دعم الحوثيين. ومن ناحية أخرى، قد يضر ذلك بمصالح إيران إذا أوقف الحوثيون معركتهم ضد السعوديين بمجرد حصولهم على ما يريدون حقا، وهو دور سياسي دائم في صنعاء. وسيعتمد كل شيء في النهاية على حقيقة من من القوتين يتمتع بالروابط الأوثق والأكثر فعالية مع الحوثيين وبقية مكونات الحكومة اليمنية. لكن بالنسبة للسعودية، قد لا يكون مجرد تأمين موافقة الحوثيين كافيا لضمان الهدوء على الجبهة اليمنية. فبعد كل شيء، قامت طهران أيضا بتدريب ودعم الانفصاليين الجنوبيين في الماضي، مما يعني أن إيران سيكون لديها أكثر من طريقة لاستخدام اليمن في مضايقة السعودية.