رحلة خلف القضبان !!
إب نيوز ٢٧ ديسمبر
بقلم/ مصباح الهمداني
أنهيت في ساعات متواصلة كتابٌ صغير أهدانيه أحد الإخوة الأعزاء، والكتاب لكاتبٍ يمني من أمٍ أوكرانية، وعنوان الكتاب هو عنوان الموضوع.
لقد تدحرجت كلمات الكاتب أمام عيني كأحجار كبيرة في مجرى سيلٍ جارف، لكنها أحجارٌ من ألَمٍ وعذاب، وقد سردَ فيها قصته المؤلمة منذ اختطافه في الطريق العام وحتى إطلاق سراحه.
الدكتور أمير الدين جحاف، طالبٌ يدرس الطب في مصر، يعود لاستكمال دراسته ويمر من إحدى نقاط مارب، ومن هُناكَ تبدأ أول شرارة في حياة الجحيم التي بدأت لأمير الدين.
كان أمير برفقة زملائه، لكنَّ المطلوب هو أمير، لأن لقبه جحاف، هذا هو الذنْبْ الوحيد لأمير كما هو ذنب الكثير من أمثاله، فاللقب أو المنطقة تُهمة كافية للإعتقال، وهكذا يتجرَّع بعدها هذا الطالب ويلات العذاب وصنوفه مشاهدةً وسماعًا ومعاناة.
لا تمتلك عيني أي حُر بل أي إنسان فوق هذا الكوكب وهي تمر على القصص المؤلمة إلا أن تجود بالدمع الغزير والأسى العميق والفاجعة الكبيرة.
لقد حاولت أن أسلط الضوء على صور معينة لكنَّ المحاولة لم تنجح، ففي كل صفحة صورة، وفي كل صورة فواجع لا يمكن تجاوزها.
قلع أظافر، صعق بالكهرباء، سحب في العراء، تعليق في الخصيتين، كسر الأيدي والأقدام، الضرب حتى تخرج الدماء من الأفواه، وتهربُ الأمعاء من الأدبار، جلد بالأسلاك حتى الجنون، دماء لا تتوقف عن النزيف، جروح تتعفن، شيوخٌ في السبعين وأطفال دون الخامسة عشر، مجانين وأصحاء تحت سقفٍ واحد، مغتربون وحجاج ومعتمرون وطلاب وأكاديميون وأسرى حرب والجميع تحت التعذيب بلا استثناء…
كل هذا في سجون مارب!
سألتُ نفسي كثيرًا:
أين رجال مارب؟ أين الشرفاء فيها؟ أين ذهبَتْ القَبيلة والمروءة؟ من أينَ جاء هؤلاء الوحوش؟ فقراء الأخلاق والمسئولية؟ بل عديمي الضمير والإنسانية!
إن ما يحدث في سجون مارب هو وصمة عار، على جبين كل ماربي وكل وجه إخواني.
كنا نشتكي من سجون السعودية والإمارات، وما تفعله باليمنيين من تعذيب واضطهاد، لكن أن يتم هذا الإجرام في اليمن وعلى يد يمنيين فإن الجُرح غائر، والألم شديد.
يجبُ تسجيل أسماء الجلادين، وتوثيقها جيدًا، وأخذ القصاص الشرعي يومَ العدالة القادم، ويجب ألاَّ يتم العفو عن هؤلاء السفاحين المجرمين تحت أي ذريعة أو حُسن نيَّة.
ومن بين ركام هذا الوباء والخُبث والإجرام، لا تلومونا على حُب أنصار الله ودولتهم التي يعيش في كنفها الآلاف من عائلات كبار المرتزقة، وبالرغم من كثرة الشائعات والكذِب على أنصار الله فسجونهم معروفة، وليس فيها تعذيب؛ بل العكس تمامًا، فالأسرى وهُم أخطر السجناء يحظون بمعاملة راقية وتطبيب وتغذية جيدة، ولا تمتد نحوهم يد، ولا يسقط على ظهورهم سوط، إنها أخلاق المسيرة مهما شوهها الإعلام المتصهين.
شكرًا لك يا أمير الدين على هذا التوثيق الرائع لجزء صغير في عالمِ المرتزقة الموحش الكبير، وأسأل الله العون والثبات والصبر للأسر التي ستجد أسماء أبنائها على صفحات كتابك، وأسأل الكريم العظيم الفرج العاجل لجميع المختطفين وعلى رأسهم؛ البروفيسور مصطفى المتوكل والعلامة يحي الديلمي وشرف اليمنيين، ابنة الجوف المكلَفْ المخطوفة؛ سميرة مارش…
وليتك يا أمير تترجم كتابك سريعًا إلى الإنجليزية، ليتم نشره على أوسع نطاق، ليعرف العالَم الوجه القبيح لهذه الشرذمة الوضيعة.