من قصص الخالدين
.
إب نيوز ٢٨ ديسمبر
تقرأون في القصة_
*بعد اسبوعين من عودته إلى الجبهة حصلت زحوفات كبيرة من قبل الأعداء والمرتزقة فتدخل الفارس المقدام بفصيله للمواجهة باستبسال وشجاعة منقطعة النظير، مما أتاح الفرصة لأعداد كبيرة من المجاهدين بالانسحاب تبعا للتعليمات حيث كانوا محاصرين وقد نفدت منهم المؤنة بمن فيهم شقيقه الوحيد الذي كان في صفوف هؤلاء المجاهدين.
*استشهد وأُسر من فصيل أحمد الكثير بعد أن أوغلوا قتلاً وتنكيلاً بالمرتزقة ومن ورائهم. وفور استشهاده أسرع المرتزقة يبحثون بين الشهداء بكل نَهم عن جثمانه الطاهر لكي يأخذوه كغنيمة وصيد ثمين فكان لهم ذلك بعد أن ذاع صيته وبعد أن أمعن في تقتيلهم والتنكيل بهم.
فتىً يُقالُ لهُ أحمــد
د. أسماء الشهاري
*الشهيد..كانت السماء تتزين كل ليلة شوقاً لتعانق روحه الطاهرة..
عندما تنظر إلى صورة الشهيد_أحمد حسين زبارة.. فإنك سترى فتىً في مُقتبلِ العمر و ريعان الشباب في ربيعه الثاني والعشرين تُحيطُهُ هالة نورانية وستجد أنه ارتسمت على محياك ابتسامة عذبة من طلته البهية، وأكثر ما قد يدور بذهنك أنه شاب مؤمن شجاع جاهد في سبيل الله والوطن و نصرةِ المستضعفين حتى لقي الله شهيداً بطلاً في ساحات الفرسان الخالدين.
لكنك إن غصت في أعماق شخصيته وتتبعت سيرة حياته فستجد أنَّ تلك السنوات القليلة التي عاشها أحمد تحمل في طياتها رجلاً مجاهداً عظيماً وشخصيةً استثنائية، و أنَّ الشهيد أحمد حقق في تلك السنوات ما قد لا يحققه غيره الكثير من الناس في عشرات السنين، ويرجع السبب في ذلك إلى قوة الإيمان والهدف و وضوح الرؤية والمنهج و عدالة القضية التي بذل حياته لأجلها.
كان أحمد طيب اجتماعي ومحبوب بشكل كبير وكان خدوما فلا يتأخر عن تقديم كل ما يستطيع لمساعدة الآخرين سواء كان ذلك في عرس أو عزاء أو غير ذلك. وبالإضافة لذلك كان يتمتع بدرجة عالية من الذكاء و حب العلم وكلية الهندسة كانت حلمه الذي يتمناه، بيد أن هناك حلماً آخر قد تملك قلبه وكل جوارحه وهو الجهاد في سبيل الله ونصرة الحق فعزف عن الحلم الأول وكان يواسي والدته بقوله: هناك أشخاص يدرسون الآن ونحن علينا أن نجاهد ثم سندرس فيما بعد وهم يجاهدوا..
لم تكن انطلاقة أحمد القوية في الطريق الذي يؤمن به سهل تقبلها على والديه في البداية خوفاً عليه من المخاطر التي تحف هذه الطريق، لكن أحمد بروحه المؤمنة وبوعيه العالي وحجته القوية استطاع أن يكسب رضاهما بل وتشجيعهما له فيما بعد بكل ما أمكن وأن يبذلوا كل ما يستطيعون على ذات الطريق.
وبهذه الروحية العظيمة والبصيرة النافذة استطاع أحمد أن يتملك قلوب كل من عرفه وبالإخلاص والشعور الكبير بالمسئولية و الهمة العالية استطاع أن يتسلم زمام أهم الأعمال وأن يقودها بكل اقتدار على الرغم من صغر سنه.
فالعمر الفعلي للإنسان يقاس بأفعاله وليس بعدد سنينه فقط، وفي هذا المجال بعد أن أخذ أحمد دورات تدريبية ثقافية وعسكرية في صعدة وصنعاء كان يقوم بتدريب المجاهدين ويشرف على ذلك بنفسه وأيضاً فإن تفانيه في الأعمال الموكلة إليه إضافةً إلى أمانته ونزاهته التي كان مشهور جداً بها وكان الجميع يستشهد بها، فإن كل ذلك جعله جديراً بأن يترأس التموين العسكري وأن يكون مدير منشأة مديرية شعوب فقد كان المسئول عن إيصال المدد والمؤنة للمجاهدين وأيضاً كان يقوم بإيصال المجاهدين إلى الجبهات كجبهة تعز والضالع ومأرب وغيرها من الجبهات.
وعند عودته كان يرابط في نقاط صنعاء ويسهر الليالي حتى بدأت أسفل قدماه تتقيح من شدة البرد لأنه كان يعاني من التشققات.!
كان الشهيد يتمتع بشهرة كبيرة في منطقته وله أهمية كبيرة ويحكي عنه الكثير من الناس ويحبه الكثير ويعتبرونه مثلاً أعلى يقتدى به وبنزاهته وتضرب بأمانته الأمثال، وعلى الرغم من كل ذلك فقد كان شخصاً مبتسماً كتوماً ومتواضعاً فلم يكن يحب التفاخر بمنصبه بل إن أهله لم يكونوا يعرفوا إطلاقا ماهي طبيعة عمله ولم يعرفوا عن ذلك إلا قبيل استشهاده بفترة قصيرة، ومع أعماله ومسئولياته الكثيرة كانت زياراته قليلة إلى المنزل وكل كلامه خلالها يتمحور حول الحث على الإنفاق و النصح والتوعيه التي كانت تترك أثراً كبيراً في نفوسهم كغيرهم ممن كانوا يعرفونه و يتأثرون بأفعال الفتى الشاب وأقواله.
ومن القصص التي تدل على مدى حب أصدقاءه وجيرانه وأبناء منطقته له و تأثّرهم به أنه عندما غاب ذات مرة لمدة شهر بغرض التدريب قاموا باستقباله بالبرع وأن السيارات سدت الشارع المقابل لمنزله وهم يحتفون بقدومه عند عودته.
ومن قصصه أيضاً أن أهله ظلوا شهرا كاملا بدون غاز كما تحكي والدته حيث كانت تعد الخبز باستخدام الحطب وكان أخوه يلتزم الإنتظام بالطابور كما البقية على الرغم من أنه كان المسئول على توزيع الغاز للناس في منطقته حينها.!
وبالرغم من كل المهام والمسئوليات التي كانت ملقاه على عاتقه ومنها مشاركته في القتال في ميادين الكرامة عدد من المرات لكن روحه ظلت متعطشة لتلك الميادين وقلبه ظل معلقاً بها.
وبداعٍ من الحب والخوف حاولت والدته أن تمنعه من الذهاب إلى الجبهة وأخبرته بأنه يقوم بواجبه الجهادي كما أن لديه المركز المهم هنا، لكنه رد عليها بأنه لا يريد مركز ولا أي شيء آخر فقد باع نفسه من الله وفي سبيله كما أخبرها أنه لا يجوز لأي رجل مقتدر أن يتخلف عن جبهات الفداء وأنه مُآثم إن فعل ذلك خاصة مع كل ما يحصل من قتل وجرائم بحق الأبرياء، ولإيمانها و ارتباطها بالله وحبها لوطنها فإنها لم تمنعه بل ذهب تحوطه دعواتها وصلواتها.
توجه أحمد إلى جبهة مأرب مع الفصيل الذي قام هو بتدريبه وانتقاء المجاهدين فيه حتى أن أحد المجاهدين في جبهة تعز عندما علم بأن أحمد زبارة هو المشرف عن الفصيل وأنه متوجه إلى جبهة مأرب سارع بالانضمام إليه من حبه له ومعرفته به.
كانت لأحمد زيارة واحدة إلى أسرته بعد توجهه إلى جبهة مأرب لكي يحضر خطبة شقيقته التي اشترطت وجوده صلى فيها الفجر مع والدته وظل يحدثها عن الإيمان والصبر والتضحية في سبيل الله والوطن، ثم عاد مسرعاً إلى محرابه المقدس يسبقه الشوق إليه.
بعد اسبوعين من عودته إلى الجبهة حصلت زحوفات كبيرة من قبل الأعداء والمرتزقة فتدخل الفارس المقدام بفصيله للمواجهة باستبسال وشجاعة منقطعة النظير، مما أتاح الفرصة لأعداد كبيرة من المجاهدين بالانسحاب تبعا للتعليمات حيث كانوا محاصرين وقد نفدت منهم المؤنة بمن فيهم شقيقه الوحيد الذي كان في صفوف هؤلاء المجاهدين.
قاتل أحمد بكل شراسة وبسالة هو ومن معه وعمل في الأعداء القتل والتنكيل كما ذكر ذلك شهود العيان.
وعندما انتهت طلقاته العياريه قام باستخدام الخنجر وظل يقاتل بكل ما أوتي من قوة حتى لقي الله شهيداً مجيداً.
استشهد وأُسر من فصيل أحمد الكثير بعد أن أوغلوا قتلاً وتنكيلاً بالمرتزقة ومن ورائهم. و فور استشهاده أسرع المرتزقة يبحثون بين الشهداء بكل نَهم عن جثمانه الطاهر لكي يأخذوه كغنيمة وصيد ثمين فكان لهم ذلك بعد أن ذاع صيته وبعد أن أمعن في تقتيلهم والتنكيل بهم.
وفي مشهد آخر تلقت أسرته المؤمنة خبر استشهاده بكل صبر وإيمان عاملين بوصيته و متذكرين لكلماته الخالدة.
فها هي والدته تقول عندما جاءت النسوة لتعزيتي كنت أشعر أنني ملكة وأشعر بالسعادة والفخر ولبست ثياباً خضراء ولم أشعر بأنهن جئن لتعزيتي بل لتهنئتي والمباركة لي بشهادة ابني في سبيل الله والوطن والكرامة وأنه أصبح في الجنة.
بعدها وصلت بعض الشائعات عن كون أحمد قد تم أسره ولم يستشهد فقامت الأم المؤمنة بقراءة القرآن ليدلها الله على حقيقة ما صار إليه، وبفضل الله وكتابه العظيم استطاع المجاهدون الحصول على جثمانه الطاهر بعد 17 يوم من استشهاده وتم ايصاله إلى أحد المستشفيات وأحضروا لوالدته الصندوق الذي سيزف فيه الشهيد فقامت مع شقيقاته بتزيينه وتعطيره و تبخيره بالعود واشترطت عليهم أن يُدخلوا الصندوق إليها قبل تحرك الموكب العظيم كما اشترطوا عليها ألّا تطلب رؤيته لكون الجثمان الطاهر قد تغيّر لمرور سبعة عشر يوماً ولتمثيل المرتزقة به فقبِلت بذلك.
تقول والدة الشهيد_أحمد حصل على عرسين وليس عرس واحد.
فقد جاء الناس للمباركة مرة ثانية..
وعن شعورها عندما تم إدخال الصندوق إليها تقول والدته: عندما أدخلوا الصندوق إلي شعرت أني ملكة في قصر لا يوجد فيه أحد من الناس على الرغم من امتلاء البيت بالناس حينها، وشعرت أن أحمد دخل علي كأنه أمير وقلت بصوت مسموع : حيّا بالأمير الذي جاء ليسلم على أمه ثم يذهب إلى زوجته.
تحرك الموكب الملكي المهيب بأعداد كبيرة من الناس والسيارات حتى الخيول حضرت و تم إطلاق الأهازيج والبرع، كما أن الكثيرين قاموا بلبس قمصان تحمل صورة الشهيد الذي كان معروفاً بطيبه وأخلاقه.
أخبرتني أم الشهيد البطل أحمد أن ابنها شقيق أحمد الوحيد طه في جبهة مأرب الآن وتقول: أناشد كل أم أن تحث أبناءها على الجهاد وإن لم نسمح لهم بالشهادة في الجبهات فسوف يموتوا في البيوت.
وعن لوم بعض النسوة لها من سماحها لابنها الثاني بالجهاد ونعتها بأنها متحجرة القلب بعد استشهاد أخيه ولم يعد معها غيره من الذكور تقول لولا الله والإيمان لما صبرنا، وتقول لهن: دعوه يختار طريقه لن أمنعه من أن يذهب إلى الجنة عند أخيه فالدنيا قصيرة.!
فأنا دائماً كنت أدعوا الله سبحانه وأقول: اَللّـهُمَّ إني وكلت أمر أولادي إليك فاختر لهم ما فيه الخير. فعندما انطلقوا في سبيل الله عرفت أنه الخير الذي اختاره الله لهم و هيّأ لهم ذلك.