ليست (هرطقات) ولكنها (إشارات) !
إب نيوز ٢٨ ديسمبر
بقلم/ الشيخ عبدالمنان السُنبلي.
في مارس (٢٠٠٣) ومع بدء انطلاق عمليات غزو العراق أعلن الرئيس العراقي صدام حسين في خطابه المتلفز الأول أنهم سيجعلون القوات الغازية تنتحر على أسوار بغداد .
تلقف الأمريكيون بالطبع هذه الجزيئة الصغيرة من الخطاب وأخضعوها للدراسة والتحليل المكثف متسائلين لماذا قال (على أسوار بغداد) ولم يقل (على أسوار العراق) مثلاً أو أسوار أي مدينة عراقية أخرى حتى توصلوا إلى نتيجةٍ وقناعة تامة من أن صدام حسين يعد لهم لامرٍ ما في محيط بغداد سيغير من سير ونتائج المعركة، وبعملية استخباراتية معقدة استطاعوا كشف ما كان يعد لهم صدام حسين وبدأوا بإختراق أدوات ذلك العمل وتفكيكه وتدميره قبل أن يصلوا إلى بغداد ويدخلوها بسلاسة وهدوء بعد معركة المطار الشهيرة والتي أعد لها متأخراً أو كما يقولون في الوقت الضائع !
هكذا هم الأمريكيون دائماً لا يمكن أن تمر عليهم جزيئة بسيطة حتى لو كانت مجرد كليماتٍ عابرة مرور الكرام دون أن يخضعوها للدراسة والتحليل ومن ثم يرسمون على ضوء نتائجها خططهم واستراجيتهم المقبلة، فماذا عنا نحن العرب ؟!
تتراجم علينا الكلمات في كل مرة بحجم الجبال ولا نعيرها اهتماماً أو نلقي لها بالاً كما لو كنا لا نسمع أو نعقل أو نفقه حديثا، فهي في قواميسنا لا تعدو عن كونها مجرد (هرطقات) أو (دعايات) إنتخابية أو أي شئٍ مما شابه ذلك كله، فلا نلبث في لحظةٍ من اللحظات إلا وقد تخطفنا الطير من كل حدبٍ وصوب واحداً واحد !
لن أذهب بكم بعيداً تعالوا لنتأمل قليلاً في بعض ما قاله (ترامب) للعاهل السعودي خلال المكالمة التي دارت بينهما ذات يوم (قبل أكثر من عام) ولنركز على جزيئة بسيطة من تلكم المكالمة .
قال ترامب : أنكم بدون حمايتنا لا تستطيعون أن تبقوا اسبوعين في الحكم !
بدون حمايتنا !
ممن يحمونهم ؟ من إيران مثلاً أم ممن يا تُرى ؟
إيران ! لا ..
لا أعتقد ذلك، فأيران ليست ذلك البعبع المخيف الذي قد يلتهم السعودية في إسبوعين خاصةً وأن السعودية وبما تمتلكه من قدرات وإمكانات عسكرية ومادية كبيرة تستطيع أن تكون نداً مواجهاً لإيران ناهيك عن قدرتها في حشد العرب وتجيشهم ضد إيران !
إذاً من إسرائيل ؟
إسرائيل ! لا ..
لا أعتقد أن السعودية في الوقت الحالي ترى في إسرائيل عنصراً مهدداً لها خاصةً وأن علاقتهما اليوم أصبحت أفضل وأفضل بكثير من ذي قبل حيث وقد بدأت هذه العلاقة مؤخراً وللمرة الأولى منذ عقود تطفو على السطح !
إذاً من الحوثيين أو ربما (الأخوان المسلمون) ؟
الحوثيون !
لا أعتقد ذلك، فالحوثيون لا يشكلون خطراً حقيقياً أو وجودياً على السعودية على الأقل على المدى المنظور، أما الأخوان المسلمون فهم اليوم في حالٍ لا يُحسدون عليه ولا يشكلون أيضاً خطراً على السعودية !
إذا من قطر .. أكيد !
قطر !
لا .. فهي أقل من أن تشكل خطراً مباشراً على مدينة سعودية في حدودها ناهيك عن كل السعودية طبعاً لإعتباراتٍ كثيرة !
إذاً ممن يا تُرى يخوف ترامب السعودية ؟
ليس هذا لغزاً طبعاً فإجابة هذا السؤال نجده بسهولة لدى الرئيس الأمريكي السابق (أوباما) وقد أفصح عنه ذات يوم عندما قال في إحدى خطاباته أنه لا يخاف على السعودية كما يخاف عليها من الداخل، إلا أننا وكعادتنا نحن العرب لا يمكن أن نعد ذلك إلا في عداد (الهرطقات) و(الدعايات) الإنتخابية !
نعم الداخل السعودي، فسياسات القمع والكبت ورفض الرأي الآخر والإستخفاف به ستولد حتماً في آخر المطاف كماً هائلاً لا يمكن السيطرة عليه من الغيظ والتذمر والغليان الشعبي والذي يعد بحد ذاته خطراً وجودياً مباشراً على أمن المملكة أوغيرها من أي دولةٍ عربيةٍ أخرى .
فقط ما على ترامب إلا إشعال شرارة البدء الأولى متى يشاء وبالطريقة التي يشاء وستحرق النار بعدها المنطقة كاملةً، فكم من (بو عزيزي) و(خاشقجي) في عالمنا العربي البائس والمتهالك .
#معركة_القواصم