قصة شهيد .
إب نيوز ٢٩ يناير
بقلم/مريم محمد
ميّز الله الشهداء بخصائص ومميزات تختلف عن غيرهم من البشر ، وقد ضَمِنَ الله لهم الجنة ، في قوله تعالى «إن الله اشترى من المؤمنين أموالهم وأنفسهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فَيَقْتُلُونَ ويُقْتَلُونَ وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ».
الشهيد وهب روحه وبذلها في سبيل الله وإعلاء كلمة الله .
الشهيد هو من عرف معنى القضية التي أراد الوصول إليها فباع ماله ونفسه إبتغاء مرضاة الله …
الشهيد : عبدالكريم حسين محسن المحاقري “أبو إسلام” سلام الله عليه وعلى كل الشهداء الأبرار
ولد الشهيد في قرية المحاقرة مديرية سنحان محافظة صنعاء من مواليد عام 2002م
عُرف الشهيد منذ صِغر سنه بالتواضع، والأدب ،وحُسن الخُلق والسيرة واللين، ذو أخلاقاً عالية ورفيعة المستوى، كان تواضعه وتعامله لجميع أفراد أسرته ، وكان حنون القلب بالأخص تعامله مع والديه ، وجميع من حوله .
عُرف بكظم الغيظ والعفو عمّن أخطئ بحقه .
تقول لنا أم الشهيد -سلام الله عليها وعلى الشهيد- إذا أحد جرحه بشيئ لا يرد عليه حتى إن كان هو المغلوب على أمره ، ففي ذات مرة تقول أمه بأنها زعلته ودخل غرفته ونام دون أن يرد على أحد ، أو يجرح أحد ، حتى وإن زعل أو جُرح بكلامهم ، فهي تقول هنا تمنيت لو أن ابني الشهيد رفع صوته ذات يوم عليا ، أتمنى لو أنه زعلني أو جرحني بكلمة واحدة .
فأنا لم أشوف منه أي شيئاً يجرحني به منذ أن كان صغيراً …
بداية انطلاقته مُنذ أن بدأت الاعتصامات ، حيث أنه لم يتم دراسته فانطلق في سبيل الله ، وترك كل شيئاً وراء ظهره ، فكان شهماً ، شجاعاً ، بطلاً ، حراً ، أسداً لايخاف لومة لائم ، كل همه هو رضا الله .
طلّق الدنيا وحياتها ، وبناء له الحياة الأبدية مع النبيين والصديقين وحسن أولئك رفيقا ، فكان أول من انطلق من أسرته رغم صغر سنه…
تحرك الشهيد وانطلق وهو لا يخشى شيئاً ولا يَهاب أحد ، كانت الأسرة تمنعه من الذهاب للجهاد لعدة أسباب :
أولاً : لصغر سنه .
ثانياً : لإتمام دراسته ، والتي نبذ كل شي وراء ظهره وانطلق مع الله ، انطلق ولم يتمسك بالدنيا ، وحب المال كانت غايته الجهاد ، وتمسكه بالقضية التي جاهد من أجلها …
هُنا أمه تقول أنه كان دائماً يتكلم عن الجهاد يقول لن يمنعني أحد عن الجهاد في سبيل الله ، ثقي ياأُماه بأن الموت آتٍ لامَحالة ، ولو في بروج مشيدة ، فالموت سيأتي سِواء كان في البيت أو في أي مكان آخر .
أما مع الله لا يوجد خوف من الموت ، يقول : الله أقرب لي منكِ ، هل أنتِ معي وقت يوم ضربت الطائرة ، فأخذني الصاروخ إلى مكان آخر ، وجرحت بجروح في رجلي وكنت أمشي بالعكاز ؟!
بعدها كان قلب الأم يحن ، وكأن قلبها حاسس بأن فلذة كبدها فيه شيئ ، اتصلت بوقتها لأحد من أصحابه فسألته أين أبو إسلام ؟ كيف حالة ؟ فقال لها : لاتخافي هو بخير ، فأصرّت إلا أن تسمع صوت ولدها ، فكلمها ابنها لتطمئن على صحته فقال لها الشهيد أبو اسلام أنا بخير لاداعي للقلق .
تقول له : ارجع للبيت نطمئن على صحتك ومن ثم عود إلى الجبهة.
قال لها : لا يا أمي فهذا مستحيل الآن ، هل تحبي بأن يشوف الناس ابنك وهو يمشي بالعكاز ، كي يقولون أنني فخور بجروحي هذه ؟!!
قال سأرجع أزوركم ، لكن بعد أن أتعافى وأرجع إلى مترسي وعملي الجهادي ، ومن ثم أزوركم .
كان لديه عزة نفس قوية جداً لدرجة أنه في بعض الأوقات لا يحصل على الأكل فيقول لأصحابه هل بقي شيئاً من الطعام ؟ فيردون عليه بخجل شديد ، نحن نسيناك ياأبو إسلام ، فيتبسم ضاحكاً ، يقول في سبيل الله يرخص كل غالي ، تلك الإبتسامة التي لم تفارق محياه إلايوم أستشهد، لم يتغير تعامله معاهم حتى لو يضل بغير أكل لعدة أيام ، فمن عرفه يتكلم عن شجاعته ، وعن أدبه ، وأخلاقه …
جُرح الشهيد وهو داخل مترسه في حريب القراميش ، وتم ضرب واستهداف مترسه ؛ مما أدى ذلك إلى جرح في رأسه ودخل في غيبوبة تامة من الصباح إلى العصر ؛ بسبب قذيفة استهدفته وهو داخل المترس ، وبعدها فاق من الغيبوبة بسبب هطول الأمطار عليه ، فجُرح ولم يرضى بأن يزور أهله إلا بعد أن يتعافى…
كان دائماً يقول لأمه ثقي بالله ياأمي وقولي بأني سلّمتُكَ لله سبحانه وتعالى ، لأنه من أوجدني في هذه الحياة ، وقادر بأي لحظة أن يأخذني إليه فأنا مع الله ، أنـا عندكم أمانة وضيف بسيط تربيني أحسن التربية وتغرسي فيني حب الله ، وحب آل بيته ، وتعلميني معنى الجهاد ، والإحسان ، وكل ما يختص بدين الله. أمي إن أصحابي اصطفاهم الله جميعاً بالشهادة إلا أنا لأنك ما بعتيني من الله بيع كُـلـي …
اتصل لأمه للإطمئنان عليها قبل استشهاده بأسبوع واحد فقط ، فيقول لها : أمـي الحنونة إني أرى الشهادة على وجه صاحبي – والذي حقاً استشهدوا الإثنين معاً – فأتمنى أن أسمع منكِ ولآخر مرة بأنكِ تقولي إنني بِعتُكَ في سبيل الله ، تقول له أمه : أنــا بِعتُكَ يا أبو إسلام من أول يوم خرجت فيه للجهاد ، والدفاع عن الأرض ، والعرض ، ففرح بسماع تلك الكلمات التي أسعدته في تلك اللحظة فكانت أمه آخر مرة تسمع صوت أبو إسلام …
وصيته لأمه كان يقول : إذا استشهدت لاتحزني ، ولا تخافي ؛ لأن مع الله ليست خسارة ، لو أتقطع قطعاً قطعاً ، ولو يصبح جسدي رماداً تذروه الرياح ، لاتُحرجي من أي أحداً كان ، وارفعي رأسكِ عالياً ، فوالله كلام الناس مايهموني بشيئ ، بقدر ما يهمني خوفي من الله ، ولا تخافي من أحد ، فنخاف من الله تعالى الذي بيده كل شيئ افرحـي بأن ابنك شهيد ،
أنـا يا أمي انطلقت في سبيل الله وإبتغاء مرضاته ، فالرسول – صلوات الله عليه وعلى آله – ضحى بنفسه وماله ، وكذا الإمام علي عليه السلام ، والحسن والحسين ، وزيد بن علي ، والسيد الشهيد القائد حسين بن بدرالدين الحوثي ، وكذلك الصماد وغيرهم الكثير من الشهداء الذين قدّموا أرواحهم فِداء في سبيل إعلاء كلمة الله .
فهؤلاء ضحّوا بأنفسهم وقدّموا تضحيات جسيمة ، فلن تكون روحي أغلى من أرواحهم ، أمــي الغاليـة أنتِ عندي أغلى مافي الكون ، أنتِ روحي وأنتِ نبع الحنان ، لكن حُب الله عندي هو الحب الوحيد والخالص في قلبي . وأطلب من الله النصر والفتح المبين أو الشهادة في سبيله ، أمي لا تفّرطي في المسيرة القرآنية ، وأسألكم بالله بأن تتمسكوا بها ، وأن تتمسكوا بالنهج الجهادي والقرآني ، لاتتخاذلي بعد استشهادي حتى في أي شيئاً كان ، كوني قوية كما كنت أراكِ عليه من قبل …
الحديث يطول عن مآثر وبطولات الشهداء العظماء ، وما هذا إلا شيئاً بسيطاً مما نسمع عنهم فـ أسأل من الله أن يرحمهم رحمة الأبرار ويسكنهم مساكن الأخيار إنه على كل شيئ قدير…
الشهيد :عبدالكريم حسين محسن المحاقري
استشهد بتاريخ / 24/جماد الأول 1439هـ
الموافق / 10/2/2018